ویکی دین

این و آن در موضوع های متفاوت

ویکی دین

این و آن در موضوع های متفاوت

تدبیر الصحه بالاطعمه والاشربه . تحقیق: سید محمد حسینی نیشابوری

بسم اللّه‏ الرّحمن الرّحیم
و بنور اللّه‏ نستعین

یقول أحوج خلق اللّه‏ العلیم الخلاّق حنین بن إسحاق:(1) لمّا کانت الأبدان دائمة
التحلّل، لما فیها من الحرارة الغریزیّة، و لحرارة الهواء المحیط بها من خارج، احتاجت
إلى ما یخلف مکان ما یتحلّل منها، فاضطرّت لذلک إلى الأطعمة و الأشربة .

و جعلت فیها قوّة الشهوة لیعلم بها وقت الحاجة إلیها، و مقدار ما یتناول منها، و
النّوع(2) الّذی یحتاج إلیه .

و لأنّه لا یخلف الشیء الّذی تحلّل، و لا یقوم مقامه إلاّ مثله، و لیس یوجد فی
الأطعمة و الأشربة شیء مثل ما یتحلّل من البدن، اُحتیج إلى أن تکون الأطعمة و الأشربة
تستحیل فی البدن لتقوم مقام الّذی یتحلّل و تصیر فی مکانه، و لیس تستطیع القوّة الّتی
تحیل الطعام و الشراب فی بدن الإنسان أن تحیل إلاّ ما شاکل البدن و قاربه .

و لیس جمیع أجزاء الشیء الّذی یؤکل، أو یشرب بمشاکلة للبدن، فلذلک لابدّ من


(1) هذه الفقرة إلى هنا فی «س» فقط .

(2) فی «س»: أنواع .

تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب (29)


أن تبقى من الطعام و الشراب فی الأبدان فضول یحتاج أن تنقّى عن الأبدان، و تخرج منها.

و کما أنّ الطعام و الشراب إذا ورد المعدة و فعلت فیه فعلها صار جزء منه(1) إلى
الکبد، و صار الباقی برازا ینقى عن البدن، فکذلک سائر الآلات الّتی فی البدن و المواضع
الّتی یصیر الغذاء إلیها .

و إذا کان هذا هکذا، فلابدّ لمن أراد حفظ الصحّة من أن یقصد لوجهین :

أحدهما: أن یدخل على البدن بالأغذیة الموافقة، خلفا ممّا یتحلّل منه .

و الآخر: أن ینفی عنه ما یتولّد فیه من فضل الأغذیة .

{مایصلح لکل طبیعة من الأغذیة}

و قد یحقّ لذلک أن یعرف اختلاف طبایع الأغذیة، و اختلاف طبایع الأبدان و
حالاتها، لیعلم موافقة کلّ نوع من الأطعمة لکلّ صنف من النّاس، و ذلک لأنّ طبایع
الأغذیة مختلفة :

فمنها: معتدل، کالّذی یتولّد منه الدّم الخالص النقیّ .

و منها: غیر معتدل، کالّذی یتولّد منه مع الدّم البلغم الزائد، أو الصفراء، أو السوداء
الزائدتان، أو ریاح غلیظة و نفخ .

و منها: غلیظة .

و منها: لطیفة .

و منها: ما یتولّد منه کیموس لزج .

و منها: ما یتولّد منه کیموس غیر لزج .

و منها: ما له خاصیّة منفعة أو مضرّة لبعض الأعضاء دون بعض .

و الأبدان أیضا، منها: معتدل مستولٍ علیه فی طبیعته الدّم الخالص النقیّ.

و منها: غیر معتدل یغلب علیه البلغم، أو إحدى المرّتین .

و منها: متخلخل سریع التحلّل .


(1) فی «س»: منها .

(30) تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب

و منها: مستحصف(1) عسر التحلّل .

و منها: ما جمیع أعضائه صحیحة سلیمة .

و منها: ما به آفة فی بعض الأعضاء دون بعض .

و قد یجب متى کان المستولی على البدن الدّم النقیّ أن تکون أغذیته قصدا فی
قدرها، معتدلة فی طبایعها .

و متى کان الغالب علیه البلغم، فینبغی أن تکون أغذیته مسخنة مجفّفة .

و متى کان الغالب علیه الصفراء، فینبغی أن یغذّی بما یقمع الصفراء و یزید فی
الرطوبة .

و متى کان الغالب المِرّة السوداء، فینبغی أن یغذّی بالأطعمة الحارّة الرطبة .

و متى کان البدن متخلخلاً سریع التحلّل، فینبغی أن یغذّى بأغذیة کثیرة غلیظة
جافّة لزجة، لکثرة ما یتحلّل من البدن .

و متى کان البدن مستحصفا عسر التحلّل، فینبغی أن یغذّى بأغذیة یسیرة لطیفة
رطبة، لقلّة ما یتحلّل منه(2) .

و هذا التدبیر ینبغی أن یلزم ما لم یکن فی بعض أعضاء البدن خاصّة آفة أو ألم،
فإذا کان ذلک فی بعض أعضاء البدن فینبغی أن نستعمل النظر فی الأغذیة الموافقة للعضو
الألِم، لأنّا ربّما اضطررنا إلى استعمال ما وافق العضو الألِم و إن کان مخالفا لحاجة سائر
البدن .

کما أنّه لو کانت الکبد باردة ضیّقة المجاری لاحتیج إلى استعمال الأغذیة اللّطیفة،
و تجنّب الأغذیة الغلیظة و إن کان سائر البدن محتاجا إلیها، لقضف، أو نحافة، أو تخلخل،
لئلاّ تحدث الغلیظة فی الکبد سُددا .


(1) أی مستحکم ضیّق .

(2) فی «س» هذه الفقرة مقدّمة على سابقتها .

 
(4)

من النفائس التی تری النور لاول مرة

تَدبیرُ الصِحّة

بِالأطعِمَة والأشرِبَة

 

 

 

 

لأبی زید حنین بن إسحاق العبادی

 

 

 

تحقیق: السید محمد الحسینی النیشابوری

دار أنباء الغیب للتحقیق والنشر 1414قمری

 

 

 

 

 

 


 

فهرس الأبواب

دیباجة ··· 5

لمحة عن حیاة حنین ··· 7

ولادته و نشأته العلمیّة ··· 8

حنین بین عداه و حسّاده ··· 13

تألیفاته و آثاره ··· 15

بنوه و تلامیذه ··· 19

وفاته و مدّة عمره ··· 20

هذه الرسالة ··· 21

نسخ الرسالة ··· 22

مقدّمة الرسالة ··· 27

{مایصلح لکل طبیعة من الأغذیة}

{الحرکة والنوم مع الطعام}

{تقدیر الطعام و ما یقدم منه و ما یؤخر}

{باب الحرکة والنوم مع الطعام}

{الأوقات التی یصلح فیها الطعام}

القول فی الأغـذیة الملـطّفـة ··· 35

القول فی الأغـذیة الغـلـیظة ··· 38

القول فی الأغذیة المتوسّطة بین اللطیفة و الغلیظة ··· 41

القول فیما یسـرع الانــهضام ··· 42

القول فی ما عـسر انـهضـامه ··· 44

تسمیة الأطعمة الکثیرة الفضول: ··· 46

تسمیة الأطعمة الّتی لا فضول فیها ··· 46

القول فیما غــذاؤه کثـیر ··· 47

القول فیما غــذاؤه قلـیل ··· 48

القول فی الأغذیة الجیّدة الکیموس ··· 49

القول فیما یولّد کیموسا ردیّا ··· 51

القول فی الأغذیة المتوسّطة بین ما یولّد الکیموس الجیّد و الکیموس الردیّ ··· 54

القول فی الأغـذیـة الحــارّة ··· 54

القول فی الأغـذیة البــاردة ··· 55

القول فی الأغـذیة الیـابـسة ··· 56

القول فی الأغـذیة الـرطـبة ··· 56

القول فیما یصلح المعدة من الأغذیة ··· 57

القول فیما هو ضارّ للمعدة من الأغذیة ··· 58

القول فیما یصدع الرأس من الأغذیة ··· 59

القول فیما یـنفخ ··· 59

القول فیما یقلّ به نفخ الأطعمة ··· 60

القول فیما یجلو و یلطّف و یفتح السُّدد ··· 60

القول فیما یـولّد الـسُّدد ··· 61

القول فیما یـبطى‏ء انـحداره ··· 62

القول فیما یسرع إلیه الفساد فی المعدة ··· 62

القول فیما لا یـفسد سـریعا ··· 63

القول فیما یـلیّن الـبطن ··· 63

القول فیما یمسـک الـبطن ··· 64

فهرس الألفاظ العامة ··· 67

(6) تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب

 

دیباجة

الحمد للّه‏ الّذی أظهر آثار الحکمة فی المعادن و المزارع و الأشجار، و أضمر رموز الصحّة و
السّلامة فی الاُصول و الفروع و الأزهار، و أخفى أسباب الشفاء فی البقول و البذور و الأثمار، و
أنبت أنواع الأدویة فی الأودیة و الجبال و البحار، و الّذی أعلم الآدم بأسماء الأدویة و خواصّها، و
أوقفه بتمییز الأجیاد عن ردیّاتها، و أبصره بمضرّاتها و مصلحاتها، و الّذی یقوی قوى الإنسان
بالأشربة و الأغذیة، و یعدل أمزجة أعضائه بالأدهان و الأطلیة ؛ و الصّلاة و السّلام على خیر خلقه
محمّد و آله الّذی هو طبیب المتألّمین، و شفاء صدور المتحیّرین، و عترته الهادین من ضلالة مرض
الجهل إلى هدایة صحّة العلم و سلّم تسلیما کثیرا .

أمّا بعد، أیّها القارى‏ء الکریم لقد کان السبب فی تحقیق هذه الرسالة الّتی تطالعها أنّنی قبل
سنین حیث کنت أبحث عن النسخ المخطوطة لبعض الکتب الحدیثیّة و التاریخیّة صادفت نسخة
نفیسة صغیرة الحجم یعود تاریخ کتابتها إلى عام ستة و تسعین و ثلاث مائة من الهجرة بنیسابور، و هی
تحتوی على ثلاث رسائل من مؤلّفین کانا یعیشان فی القرنی الثالث و الرابع، إحداها: و هی الاُولى
نسخة من کتاب «تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب» تصنیف أبی زید حنین بن إسحاق العبادی
أعنی هذه الرسالة الّتی بیدک، و سقطت وریقات من أوّلها فخفی اسمها و مؤلّفها إلى هذه الأواخر، و
ثانیتها: نسخة رسالة فی «إظهار مساوى‏ء شعر المتنبّی» و ثالثتها: نسخة منحصرة من کتاب
«الروزنامجة» کلاهما من تألیف الصاحب أبی القاسم اسماعیل بن عبّاد الوزیر .

و جدیر بالذکر أنّ لثلاثتها إلى الآن لم تعرف نسخة صحیحة معتمدة یرکن إلیها فینقل منها أو

(7)


تطبع، بل من الأخیرة لم تجد أثرا، مع أنّک ترى النقل منها فی کتب الثعالبی خصوصا «یتیمة
الدهر» و «الإعجاز و الإیجاز» و فی «المدهش» و «معجم الأدباء» و غیرها(1).فقلّة نسخها، بل عدم وجود نسخة ثانیة من الأخیرة، و نفاسة النسخة الّتی منّ اللّه‏ بها علینا، و
عظم شأن مؤلّفیها، فإنّ أحدهما من القدماء المتطببین و المترجمین، و الآخر من الوزراء و الاُدباء
المتکلّمین، کانت ممّا شجّعنی على الاهتمام بتحقیق ثلاثتها و تقدیمها إلى الباحثین الأفاضل فی
الجوامع و المکاتب، و العلماء المثقفین فی أرجاء العالم.

و أمّا هذا الکتاب الّذی بیدک، فهو مختصر موجز فی الطبّ و علم التغذیة، یشرح طبایع
الأبدان و حالاتها، و طبایع الأطعمة و الأشربة و أمزجتها، و ینقل إلینا تجارب القدماء فی تدبیر
الصحّة و التداوی بما یوجد فی الطبیعة و ینجینا من السموم الموجودة فی الأدویة الکیماویّة الّتی لا
تخفى على أحد مضارّها، فإنّها و إن کانت مفیدة ظاهرا من جهة و لکن مضرّة من جهات، و أضف
على هذا غلاء أسعارها .

هذا، و إن کنت محسنا فمن اللّه‏ تعالى و له الشکر، و إن کنت مسیئا فمن نفسی و أستغفره منها
إنّه غفور رحیم، و أرجو أن یحشرنی و والدیّ تحت لواء أمیر المؤمنین و إمام المظلومین علیّ بن أبی
طالب و أولاده المعصومین «ع» .

مشهد الرضا «ع»

السید محمّد الحسینی النیسابوری



(1) قال محمّد حسن آل یاسین: فقد تلفت نسخته أو نسخه المخطوطة على مرور الأیّام فلم
یعد لها وجود فی دور الکتب العامة و الخاصّة حسبما تدلّنا علیه فهرس المخطوطات، و
ترشدنا إلیه معلومات الباحثین، و تشاء الأیّام على جورها أن تعدل قلیلاً فتحتفظ بنتف من
هذا الکتاب النفیس مبثوثة فی أثناء بعض الکتب الأدبیّة و التاریخیّة القدیمة .

(8) تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب

لمحة عن حیاة حنین

هو أبو زید حنین بن إسحاق العبادی(1) الطبیب الحاذق، من مشاهیر الحکماء و
المترجمین فی القرن الثالث الهجری، قال الندیم محمّد بن إسحاق: کان فاضلاً فی صناعة
الطبّ، فصیحا باللغة الیونانیّة و السریانیّة و العربیّة، و کانت له الریاسة على أبناء جنسه(2).

و قال البیهقی: کان أوّل من فسّر اللغة الیونانیّة و نقلها إلى السریانیّة و العربیّة، و لم
توجد فی هذه الأزمنة بعد الاسکندر أعلم منه باللغة العربیّة و الیونانیّة(3) .و قال ابن خلّکان: کان إمام وقته فی صناعة الطبّ، و کان یعرف لغة الیونانیّین
معرفة تامّة(4) .و قال ابن أبی اُصیبعة: کان حنین بن إسحاق فصیحا، لسِنا، بارعا، شاعرا(5) .

(1) العبادی ـ بکسر العین المهملة و فتح الباء الموحّدة و بعد الألف دال مهملة ـ هذه النسبة إلى
عباد الحیرة و هم عدّة بطون من قبائل شتّى نزلوا الحیرة و کانوا نصارى ینسب إلیهم خلق کثیر
منهم عدی بن زید العبادی الشاعر المشهور و غیره، قال الثعلبی فی تفسیره فی سورة
المؤمنین فی قوله تعالى: «فقالوا أنؤمن لبشرین مثلنا و قومهما لنا عابدون» أی مطیعون
متذللون، و العرب تسمّى کلّ من دان الملک عابدا له، و من ذلک قیل لأهل الحیرة العباد
لأنّهم کانوا أهل طاعة لملوک العجم.

(2) الفهرست للندیم: 352 .

(3) تاریخ حکماء الإسلام: 16، رقم 1 .

(4) وفیات الأعیان2: 217، رقم 209 .

(5) عیون الأنباء فی طبقات الأطبّإ: 257 .

(9)

و قال ابن بطلان فی دیباجة رسالة له ما معناه: هو المؤیّد بالتأیید السماوی، و هو
الّذی منّ اللّه‏ سبحانه به على أهل هذا العصر بعلوم الأوائل، فعقول عقلاء العالم فی
ضیافته، و أذهان أذکیاء الآفاق متمتّعون بأنواع العلوم على مائدته(1). ولادته و نشأته العلمیّة

ولد حنین سنة 194 ه ق من أب عربیّ من قبیلة عِباد الّتی تسکن الحیرة(2) و کان
أبوه إسحاق نصرانیّا نسطوریّا فنشأ ابنه کذلک، و لمّا کانت مهنة أبیه صیدلة، و مهنة الآباء
ممّا قد تؤثر بلا شکّ فی توجیه الأبناء، فدفعت بحنین إلى عالم الطبّ، أو الأب کان هو
الّذی وجّه ابنه تلک الجهة فأعدّه لدراسة الطبّ، على کلٍّ بعد أن بلغ حنین حدّ التمیز و
أحسّ ذوق العلم ورد بغداد و حضر مجلس یوحنّا بن ماسویه فسمع محاضراته و قرأ علیه
کتاب فرق الطبّ الموسوم باللسان الرومی بـ «هراسیس» إلاّ أنّه لمّا کان ممّن یکثر
السؤال من الاُستاذ و یلحّ فیه، و ربّما یصعب الإجابة فأحرج صدر ابن ماسویه، و کان أیضا
ممّا یباعده من قلبه أنّ حنینا کان من أبناء الصیارفة من أهل الحیرة، و أهل جندیسابور
خاصّة و متطبّبوها ینحرفون عن أهل الحیرة تعصّبا، و یکرهون أن یدخل فی صناعتهم
أبناء التجّار، فسأله حنین یوما بعض الأسئلة فحرد یوحنا و قال تحقیرا له: ما لأهل الحیرة
و صناعة الطبّ! علیک ببیع الفلوس فی الطرق و الشوارع، اذهب و اختر زاویة و صح:


(1) ترجمة تاریخ القفطی: 414 .

(2) الحیرة ـ بکسر الحاء المهملة و سکون الیاء المثنّاة من تحتها و فتح الراء و بعدها هاء ـ و
هی مدینة قدیمة کانت لبنی المنذر و من تقدّمهم من ملوک العرب مثل عمرو بن عدیّ
اللخمی الأزدی صاحب الزبّاء، و خربت الحیرة و بنیت الکوفة فی الإسلام على ظهرها فی
سنة سبع عشرة للهجرة بناها عمر بن الخطّاب على ید سعد بن أبی وقّاص.

(10) تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب


الفلوس الجیاد للصدقات و النفقات، فانّه أعود علیک من هذه الصناعة، ثمّ أمر به فاخرج
من داره .

خرج حنین باکیا مغموما قد أثر ذلک فی نفسه أثرا عظیما و صمّمه على تحصیل ما
أراده أکثر من قبل، فسافر إلى بلاد الروم و أجاد تعلّم الیونانیّة، ثمّ عاد إلى البصرة و تعلّم
العربیّة و أتقنها .

تنبیه:

أقول: یشیر بعض المترجمین إلى أنّ حنین تعلّم العربیّة على الخلیل بن أحمد و أنّه
کان أوّل من أدخل کتاب «العین» إلى بغداد، و نقل هذا اوّلاً ابن جلجل، ثمّ نقل عنه
الآخرون و لم یعقّبوا بتذکّر و نقد علیه، لأنّ أصحاب التراجم قیّدوا وفاة الخلیل بن أحمد
الفراهیدی البصری فی سنة 175، مع أنّها قبل ولادة حنین الّتی وقعت سنة 194، فلا
محیص من القول بوقوع السهو و الخطأ فی ضبط تاریخی حیاة و وفاة أحدهما، أو کان
الخلیل بن أحمد شخصا آخر غیر هذا الفراهیدی فتأمّل .

یقول یوسف بن إبراهیم الطبیب: لمّا خرج حنین من مجلس یوحنا بن ماسویه
غاب عنّا فلم نره سنتین إلى أن اعتلّ إسحاق بن الخصی علّة فأتیته عائدا فإنّی لفی منزله إذ
بصرت بإنسان له شعرة قد جللته، و قد ستر وجهه عنّی ببعضها و هو یتردّد و ینشد شعرا
بالرومیّة لاومیرس رئیس شعراء الروم، فشبّهت نغمته بنغمة حنین، فقلت لإسحاق بن
الخصی: هذا حنین؟ فأنکر ذلک إنکارا یشبه الإقرار، فهتفتُ بحنین فاستجاب لی و قال:
ذکر ابن رسالة الفاعلة(1) أنّه من المحال أن یتعلّم الطبّ عبادیّ، و هو بریء من دین
النصرانیّة إن رضی أن یتعلّم الطبّ حتّى یحکم اللسان الیونانی إحکاما لا یکون فی دهره
من یحکمه إحکامه، و ما اطلع علیّ أحد غیر أخی هذا و لو فهمت أنّک تفهمنی لاستترت


(1) رسالة اسم اُمّ یوحنا کانت جاریة من جواری داود بن سرافیون اشتراها جبرئیل بن بختیشوع
بثمان مائة درهم و أعطاها ماسویه فولدت یوحنا و أخاه .

لمحة عن حیاة المؤلف (11)


عنک و أنا أسألک أن تستر أمری، فبقیت أکثر من ثلاث سنین أو أربع لم أره .

ثمّ إنّی دخلت یوما على جبرائیل بن بختیشوع فوجدت عنده حنینا و هو یخاطبه
بالتبجیل فأعظمت ما رأیت، فقال جبرائیل لی: لا تستکثرنّ ما ترى من تبجیلی هذا
الفتى، فواللّه‏ لئن مدّ له فی العمر لیفضحنّ سرجس الرأس عینی و هو أوّل من نقل شیئا من
علوم الروم إلى اللسان السریانی، و لیفضحنّ غیره من المترجمین .

ثمّ خرج من عنده حنین و أقمت طویلاً ثمّ خرجت فوجدت حنینا ببابه ینتظر
خروجی، فسلّم علیّ و قال لی: قد کنت سألتک ستر خبری و الآن فأنا أسألک إظهاره و
إظهار ما سمعت من أبی عیسى و قوله فیّ، فقلت له: أنا مسوّد وجه یوحنّا بما سمعت من
مدح أبی عیسى لک، فأخرج من کمّه نسخة ما کان دفعه إلى جبرائیل و قال لی: تمام سواد
وجه یوحنّا یکون بدفعک إلیه هذه النسخة و سترک عنه علم من نقلها، فإذا رأیته قد اشتدّ
عجبه بها أعلمه أنّه إخراجی، ففعلت ذلک من یومی و قبل انتهائی إلى منزلی.

فلمّا قرأ یوحنّا تلک الفصول، و هی الّتی تسمّیها الیونانیون الفاعلات، کثر تعجّبه و
قال: أترى المسیح أوحى فی دهرنا إلى أحد؟ فقلت له فی جواب قوله: ما أوحى فی هذا
الدهر و لا فی غیره إلى أحد، فقال لی: دعنى من هذا القول لیس هذا الإخراج إلاّ إخراج
مؤیّد بروح القدس، فقلت له: هذا إخراج حنین بن إسحاق الّذی طردته من منزلک و أمرته
أن یبیع فلوسا، فحلف بأن ما قلت له، ثمّ صدق القول بعد ذلک و أفضل علیه إفضالاً کثیرا
و أحسن إلیه، و لم یزل مبجّلاً له حتّى فارقت العراق فی سنة خمس و عشرین و مائتین،
هذا جملة ما ذکره یوسف الطبیب(1) .

قال ابن أبی اُصیبعة: ثمّ إنّ حنینا لازم یوحنّا بن ماسویه منذ ذلک الوقت و تتلمذ له
و اشتغل علیه بصناعة الطب، و نقل حنین لابن ماسویه کتبا کثیرة و خصوصا من کتب
جالینوس، بعضها إلى اللغة السریانیّة و بعضها إلى العربیّة، و کان حنین أعلم أهل زمانه

(1) عیون الأنباء فی طبقات الأطبإ: 258 .

(12) تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب


باللغة الیونانیّة و السریانیّة و الفارسیّة و الدرایة فیهم ممّا لا یعرفه غیره من النقلة الّذین
کانوا فی زمانه، مع ما دأب أیضا فی إتقان العربیّة و الاشتغال بها حتّى صار من جملة
المتمیّزین فیها(1) .و کان الخلفاء و الوزراء یمدّون أرباب العلم و الأدب بمالهم و جاههم و
یشجّعونهم، و یتنافسون فی إنشاء الدور و المؤسسات لنشر الثقافة و نقل الآثار العجمیّة
إلى العربیّة، و من أشهر تلک الدور «بیت الحکمة» الّذی أنشأه المأمون فی بغداد سنة 830
میلادی و جعله خزانة للکتب و دارا للنقل و الترجمة .

و لمّا قوی أمر حنین و انتشر ذکره بین الأطبّاء و اتصل خبره بالخلیفة المأمون
أحضره و هو فتیّ السنّ و أمره بنقل ما یقدر علیه من کتب الحکماء الیونانیین إلى اللغة
العربیّة، و إصلاح ما ینقله غیره، و أقطع له اقطاعات حسنة، و بذل له من الأموال و العطایا
شیئا کثیرا، و ممّا یحکى أنّ المأمون کان یعطیه من الذهب زنة ما ینقله من الکتب إلى
العربی مثلاً بمثل .

و قال أبو سلیمان المنطقی السجستانی: کان بنو موسى بن شاکر، و هم محمّد و
أحمد و الحسن الّذین یشرفون على حرکة الترجمة و جلب المخطوطات إلى بغداد،
یرزقون جماعة من النقلة منهم: حنین بن إسحاق، و حبیش بن الحسن، و ثابت بن قرّة و
غیرهم فی الشهر نحو خمسمائة دینار للنقل و الملازمة(2) .

فأخذ حنین یترجم بنفسه بعض مؤلّفات جالینوس و هو فی السابعة عشرة من
عمره، ثمّ اختیر للترجمة فی بیت الحکمة و اؤتمن علیها، فکان یشرف على جماعات
تعمل بإرشاده، حیث جعل له المتوکل کتّابا نحاریر عالمین بالترجمة کانوا یترجمون
برئاسته فیتصفح ما ترجموا، کاصطفن بن بسیل، و موسى بن خالد الترجمانی، و یحیى بن

(1) عیون الأنباء فی طبقات الأطبإ: 259 .

(2) عیون الأنباء فی طبقات الأطبإ: 260 .

لمحة عن حیاة المؤلف (13)


هارون و غیرهم، و کان حنین أشدّ الجماعة اعتناءا بتجمیع الکتب و تعریبها، و لم یکتف
بما جمع فی بیت الحکمة من کتب، فرحل فی نواحی العراق و سافر إلى الشام و
الاسکندریّة و بلاد الروم یجمع الکتب النادرة، فترجمت العدید من الکتب العلمیّة فی
الفلسفة و الطب و غیرهما إلى العربیّة، و ما مضت إلاّ سنوات حتّى تداولت أیدی العرب
کتب أرسطو و أفلاطون و جالینوس و أبقراط و غیرهم .

و لا یخفى أنّ ترجمة حنین للکتب امتازت من سائر الترجمات التی لم تخلو من
الرکاکة و عدم الإصابة بل کانت حافلة بأنواع الأغلاط، بدقتّها فی التعبیر، و خلوّها من
التعقید و الحشو و الزائد، و تبیین المراد باُسلوب سهل، و مضى سابقا أنّ یوحنّا بن ماسویه
الّذی أخرج حنین من مجلسه، لمّا قرأ قطعة من ترجمة حنین و هو فی ابتداء الطریق کثر
تعجّبه فقال: لیس هذا إلاّ إخراج مؤیّد بروح القدس و هو أشبه بالمعجزة و الوحی، و هو
إقرار غیر الناشى‏ء من المحبة من عالم بها و عارف به .

قال ابن أبی اُصیبعة: لا یوجد شیء من کتب جالینوس إلاّ و هی بنقل حنین أو
بإصلاحه لما نقل غیره، فإن رؤی شیء منها و قد تفرّد بنقله غیره من النقلة مثل اسطاث و
ابن بکس و البطریق و أبی سعید عثمان الدمشقی و غیرهم فإنّه لا یعتنى به و لا یرغب فیه
کما یکون بنقل حنین و إصلاحه، و إنّما ذلک لفصاحته و بلاغته، و لمعرفته أیضا بآراء
جالینوس، و لتمهّره فیها. و وجدت بعض الکتب الست عشرة لجالینوس و قد نقلها من
الرومیّة إلى السریانیّة سرجس المتطبب، و نقلها موسى بن خالد الترجمان، فلمّا طالعتها و
تأمّلت ألفاظها تبیّن لی بین نقلها و بین الست عشرة الّتی هی نقل حنین تباین کثیر و تباین
بیّن، و أین الألکن من البلیغ، و الثرى من الثریّا؟(1)

و قال بعض المستشرقین: إنّ ترجمات حنین تکشف عن حریّة فی تصریف
الترجمة، و مقدرة عجیبة فی اللغة العربیّة الخ. و هو اعتراف من قارن و قابل الترجمات

(1) عیون الأنباء فی طبقات الأطبّإ: 262 .

(14) تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب


بأصله الیونانی.

و لیس ذلک من حنین بغریب لأنّه کان عارفا بلغات الألسنة الأربعة المذکورة،
مضافا إلى أنّه کان خرّیطا للفنّ فی العلوم الّتی ترجم کتبها أعنی الطبّ و الفلسفة و
المنطق، فیعرف اصطلاحات العلوم کلّها و یقدر على تطبیقها و خلق معادلات أحیانا إن
لم تکن بأحسن وجه، و معلوم أیضا أنّ حنین و أمثاله و إن کانوا مترجمین للکتب من لغة
إلى لغة، مع ذلک کانوا کلّهم مؤلّفین و مصنّفین و أصحاب کتب و رسائل فی الطب و
الحکمة، و ربّما جادت أقلامهم بما یقرب مؤلّفاتهم الّتی ترجموها أو کان أحسن منها،
فلکلّ هذه الاُمور و غیرها أثر عظیم فی تمکّنهم من الترجمة و جودتها .

حنین بین عداه و حسّاده

لم یسلم حنین أیضا ککثیر من أمثاله العلماء و فی جمیع الأزمنة من عناد الجهلة و
الحسدة، و جور الجبابرة و الظلمة، فاُوذی و ضیّق علیه حتى سجن مدّة، قال ابن أبی
اُصیبعة بعد نقل قصّة فی سبب موت حنین نقلها عن سلیمان بن حسان المعروف بابن
جلجل: هذه حکایة ابن جلجل، و کذلک وجدت أحمد بن یوسف بن إبراهیم قد ذکر فی
رسالته فی المکافأة ما یناسب هذه الحکایة عن حنین، و الأصح فی ذلک أنّ بختیشوع بن
جبرائیل کان یعادی حنین بن إسحاق و یحسده على علمه و فضله و ما هو علیه من جودة
النقل و علوّ المنزلة، فاحتال علیه بخدیعة عند المتوکّل و تمّ مکره علیه حتّى أوقع
المتوکل به و حبسه. ثمّ إنّ اللّه‏ تعالى فرّج عنه و ظهر ما کان احتال به علیه بختیشوع، و
صار حنین حظیا عند المتوکل و فضّله على بختیشوع و على غیره، و لم یزل على ذلک فی
أیّام المتوکل إلى أن مرض حنین فیما بعد المرض الّذی توفّی فیه، و ذلک فی سنة أربع و
ستّین و مائتین، و تبیّن لی جملة ما یحکى عن حنین من ذلک، و صحّ عندی من رسالة

لمحة عن حیاة المؤلف (15)


وجدت حنین بن إسحاق قد ألّفها فیما أصابه من المحن و الشدائد من الّذین ناصبوه
العداوة من أشرار أطباء زمانه المشهورین، و هذا نصّ قوله:

قال حنین: إنّه لحقنی من أعدائی و مضطهدی الکافرین بنعمتی، الجاحدین لحقّی،
الظّالمین لی، المتعدّین علیّ من المحن ما منعنی من النّوم، و أسهر عینی، و أشغلنی عن
مهمّاتی، و کلّ ذلک من الحسد لی على علمی، و ما وهبه اللّه‏ عزّوجلّ لی من علوّ المرتبة
على أهل زمانی، و أکثر اُولئک أهلی و أقربائی، فإنّهم أوّل شروری و ابتداء محنی .

ثمّ من بعدهم الّذین علّمتهم و أقرأتهم و أحسنت إلیهم و أرقدتهم و فضّلتهم على
جماعة أهل البلد من أهل الصناعة، و قرّبت إلیهم علوم الفاضل جالینوس، فکافأونی
عوض المحاسن مساوى‏ء بحسب ما أوجبته طباعهم، و بلغوا بی إلى أقبح ما یکون من
إذاعة أوحش الأخبار، و کتمان جلیل الأسرار، حتّى ساءت بی الظنون، و امتدت إلیّ
العیون، و وضع علیّ الرصد حتّى أنّه کان یحصى علیّ ألفاظی، و یکثر اتّهامی بما دقّ منها
ممّا لیس غرضی فیه ما أومأوا إلیه، فأوقعوا بغضتی فی نفوس سائر أهل الملل فضلاً عن
أهل مذهبی، و عملت لی المجالس بالتأویلات الرذلة. و کلّما اتّصل ذلک بی حمدت اللّه‏
حمدا جدیدا، و صبرت على ما قد دفعت إلیه، فآلت القضیّة بی إلى أن بقیت بأسوأ ما
یکون من الحال من الإضاقة و الضرّ، محبوسا مضیقا علیّ مدّة من الزمان لا تصل یدی إلى
شیء من ذهب و لا فضّة و لا کتاب... کلّ ذلک بغیر جرم لی إلى واحد منهم و لا جنایة،
لکنّهم لمّا رأونی فوقهم، و عالیا علیهم بالعلم و العمل، و نقلی إلیهم العلوم الفاخرة من
اللغات الّتی لا یحسنونها و لا یهتدون إلیها و لا یعرفون شیئا منها فی نهایة ما یکون من
حسن العبارة و الفصاحة و...

فمرّة یقولون: من هو حنین؟ إنّما حنین ناقل لهذه الکتب لیأخذ على نقله الاُجرة،
ما له و الکلام فی صناعة الطب؟... فکنت کلّما سمعت شیئا من هذا ضاق بی صدری و
هممت أن أقتل نفسی من الغیظ و الزرد، و ما کان لی إلیهم سبیل، إذ کان الواحد لا یستوی
له مقاومة الجامعة عند تظافرهم علیه، لکنّی کنت أضمر و أعلم أن حسدهم هو الّذی

(16) تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب


یدعوهم إلى سائر الأشیإ، فإنّ الحسد لم یزل بین الناس على قدیم الأیّام، حتّى من یعتقد
الدیانة قد یعلم أنّ أوّل حاسد کان فی الأرض قابیل فی قتله لأخیه هابیل لما لم یقبل اللّه‏
قربانه و قبل قربان هابیل، و ما لم یزل قدیما فلیس بعجب أن أکون أنا أیضا أحد من
یؤذى بسببه، و قد یقال: کفى بالحاسد حسده، و یقال: إنّ الحاسد یقتل نفسه قبل عدوّه...

هذا مع أنّ أکثرهم إذا دهمهم الأمر فی مرض صعب فإلیّ یصیر حتّى یتحقّق
معرفته منّی و یأخذ عنّی له صفة دوائه و تدبیره، و هذا الّذی یجیئنی و یقتدی برأیی هو
أشدّ الناس علیّ غیظا، و إنّما سکوتی عنهم لأنّهم لیس هم واحدا و لا اثنین و لا ثلاثة، بل
هم ستّة و خمسون رجلاً جملتهم من أهل المذهب، محتاجون إلیّ و أنا غیر محتاج
إلیهم... ثمّ إنّ اللّه‏ عزّوجلّ نظر إلیّ بعین رحمته فجدّد لی نعمه و ردّنی إلى ما کنت عارفا به
من فضله. و کان سبب ردّ نعمتی إلیّ بعض من کان قد التزم عداوتی و اختصّ بها، و من
ههنا صحّ ما قاله جالینوس: إنّ الأخیار من الناس قد ینتفعون بأعدائهم الأشرار. فلعمری
لقد کان ذلک أفضل الأعدإ. و أنا الآن مبتدى‏ء بذکر ما جرى علیّ (مفصلاً) ممّا تقدّم
ذکره. الخ، أقول: فمن أراد التفصیل فلیراجعه .

تألیفاته و آثاره

کان لحنین بن إسحاق سوى ما ترجمه أو صحّحه أو لخّصه من کتب قدماء
الحکماء و الأطبّاء مصنّفات کثیرة نافعة بارعة متقنة. فعدّها الندیم 29 کتابا(1)، و القفطی
26 کتابا، و جمع ابن أبی اُصیبعة بین تألیفاته و ترجماته فعدّها 166 کتابا.

و قال الدکتور ماکس مایرهوف فی مقدّمة کتاب العشر مقالات فی العین: ترجم


(1) لا یخفى علیک أنّ الفهرست الموجود للندیم ینبى‏ء عن قلّة اطّلاعه بکتب المؤلّفین من
معاصریه فضلاً عن غیرهم .

لمحة عن حیاة المؤلف (17)


حنین 95 کتابا إلى السریانی، و 35 کتابا إلى العربی، و راجع و أصلح 6 کتابا بالسریانی، و
70 کتابا مترجما على أیدی تلامیذه.

و ذکر آثاره مشروحا مفصّلاً عامر رشید السامرائی و عبد الحمید العلوجی معا فی
کتابهما المسمّى ب «آثار حنین بن إسحاق» فبلغ عددها إلى 669 کتابا. و لا بأس بذکر
أسامی بعض کتبه:

1ـ کتاب أحکام الإعراب على مذهب الیونانیین، مقالتان .

2ـ کتاب المسائل فی الطبّ للمتعلّمین، لم یتمّه، ثمّ زاد فیها تلمیذه و ابن اُخته
حبیش بن الحسن الأعسم، و بناء الکتاب على السؤال و الجواب بطریق الاسکندرانیین،
طبع محقّقا.

3ـ کتاب علاج العین عشر مقالات لطیف، قال حنین فی المقالة الأخیرة منها: إنّی
قد کنت ألّفت منذ نیّف و ثلاثین سنة فی العین مقالات مفردة نحوت فیها إلى أغراض
شتّى سألنی تألیفها قوم بعد قوم، قال: ثمّ إنّ حبیشا سألنی أن أجمع له ذلک و هو تسع
مقالات و أجعله کتابا واحدا و أن اُضیف له للتسع مقالات الماضیة مقالة اُخرى أذکر فیها
کتبهم لعلل العین، طبع هذا الکتاب محقّقا أیضا .

4ـ کتاب الحمّام، مقالة .

5ـ کتاب اللبن، مقالة .

6ـ کتاب الأغذیة، ثلاث مقالات .

7ـ کتاب تقاسیم علل العین، مقالة.

8ـ کتاب اختیار أدویة علل العین، مقالة .

9ـ کتاب علاج أمراض العین بالحدید، مقالة .

10ـ کتاب آلات الغذاء، ثلاث مقالات .

11ـ کتاب الأسنان و اللثة، مقالة .

12ـ کتاب الباه، مقالة .

(18) تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب

13ـ کتاب تدبیر الناقه، مقالة .

14ـ کتاب معرفة أوجاع المعدة و علاجها، مقالتان .

15ـ کتاب فی المدّ و الجزر، مقالة .

16ـ کتاب فی السبب الّذی صارت میاه البحر له مالحة، مقالة .

17ـ کتاب الألوان، مقالة .

18ـ کتاب فی البول على طریق المسألة و الجواب، مقالة .

19ـ کتاب المولودین لثمانیة(1) أشهر، مقالة، عمله لاُمّ ولد المتوکل، طبع هذا
الکتاب أیضا .

20ـ کتاب التریاق، مقالتان .

21ـ کتاب العین على طریق المسألة و الجواب، ثلاث مقالات .

22ـ کتاب ذکر ما ترجم من الکتب، مقالتان .

23ـ کتاب قاطیغوریاس على رأی ثامسطیوس، مقالة .

24ـ کتاب رسالة إلى الطیفوری فی قرص الورد .

25ـ کتاب الفرّوج(2) و تولّده، مقالة، قال ابن أبی اُصیبعة: بیّن فیها أنّ تولّد الفروج

إنّما هو من بیاض البیضة و اغتذاؤه من المحّ الّذی فیها.

26ـ کتاب الآجال، مقالة .

27ـ کتاب تولد النّار بین الحجرین، مقالة.

28ـ کتاب تولّد الحصاة، مقالة .

29ـ کتاب اختیار الأدویة المجرّبة(3)، مقالة .



(1) فی تاریخ الحکماء للقفطی: لستة .

(2) فی الفهرست، و تاریخ القفطی: القرح، و فی هامشهما: القروح .

(3) فی بعض التراجم: المحرقة .

لمحة عن حیاة المؤلف (19)

30ـ کتاب إلى ابن المنجّم فی استخراج کمیّة کتب جالینوس .

هکذا ذکر الندیم فی الفهرست، و القفطی فی تاریخ الحکماء، و لکن هناک کتب و
رسائل غیر ما ذکرا و لا شک أنّها من تألیف حنین أیضا، مثل کتاب تدبیر الأصحّاء
بالمطعم و المشرب، و رسالة فی دلالة القدر على التوحید، و کتاب نوادر الفلاسفة و
الحکمإ، کتاب فی المنطق، و کتاب فی النحو، مقالة فی الصراع، مقالة تتعلّق بحفظ
الصحة و غیرها، لا مجال لاستقصائها فی هذا المختصر، فراجع عیون الأنباء لابن أبی
اُصیبعة إن أردت التفصیل، و کتاب آثار حنین بن إسحاق تألیف عامر رشید السامرائی، و
فهرس کتاب المسائل فی الطب لحنین .

و کان کاتب حنین رجل یعرف ب «الأزرق» قال ابن أبی اُصیبعة: وجدت من هذه
الکتب کتبا کثیرة، و کثیرا منها اقتنیته و هی مکتوبة مولّد الکوفی بخط الأزرق کاتب
حنین و هی حروف کبار، بخط غلیظ فی أسطر متفرّقة، و ورقها کلّ ورقة منها بغلظ ما
یکون من هذه الأوراق المصنوعة یومئذ ثلاث ورقات أو أربع و ذلک فی تقطیع مثل ثلث
البغدادی، و کان قصد حنین بذلک تعظیم حجم الکتاب و تکثیر وزنه لأجل ما یقابل به من
وزنه دراهم، و کان ذلک الورق یستعمله بالقصد، و لا جرم أنّ لغلظه بقی هذه السنین
المتطاولة من الزمان(1) .

قال حنین بن إسحاق عن نفسه: إنّ جمیع ما قد کان یملکه من الکتب ذهب حتّى
لم یبق عنده منها و لا کتاب واحد، ذکر ذلک فی مقالته فی فهرست کتب جالینوس .


(1) عیون الأنباء فی طبقات الأطبإ: 270 .

(20) تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب

بنوه و تلامیذه

خلّف حنین ولدین: داود و إسحاق و صنّف لهما کتبا طیّبة فی المبادی و التعلیم، و
نقل لهما بعض کتب جالینوس .

فأمّا داود، قال ابن أبی اُصیبعة: فإنّی لم أجد له شهرة بنفسه بین الأطباء و لا یوجد
له من الکتب ما یدلّ على براعته و علمه، و إن کان الّذی یوجد له إنّما هو کنّاش واحد(1).

و أمّا أبو یعقوب إسحاق بن حنین کان فی نجار أبیه فی الفضل و صحّة النقل من
اللغة الیونانیّة و السریانیّة إلى العربیّة، و کان فصیحا بالعربیّة، إلاّ أنّ نقله للکتب الطبیة
قلیل جدّا بالنسبة إلى ما نقله فی الحکمة، و خدم من خدم أبوه من الخلفاء و الرؤسإ، و
کان خصّیصا بالقاسم بن عبید اللّه‏ وزیر المعتضد .

قال البیهقی: کان من جلّة المسلمین و قد حسّن إسلامه(2) .

و لحقه فی آخر عمره الفالج فمات به فی أیّام المقتدر باللّه‏ فی شهر ربیع الآخر سنة
ثمان و تسعین و مائتین 298، و له کتب سوى ما نقله، منها: الأدویة المفردة على
الحروف، کنّاش لطیف، تاریخ الأطباء و غیرها.

و من تلامذة مدرسته: الطبیب حُبیش بن الحسن الأعسم الدمشقی ابن اخته، کان
نصرانیّا، من الأطباء المتقدّمین و المهندسین، و أحد الناقلین من السریانی إلى العربی، و
کان حنین یقدّمه و یعظمه و یصفه و یرضى نقله، و هو الّذی زاد و أتمّ کتاب المسائل فی
الطب للحنین. و من کلماته: الکذب رأس کلّ بلیّة .

قال محمّد بن إسحاق الندیم: من سعادات حنین أنّ ما نقله حبیش بن الحسن
الأعسم، و عیسى بن یحیى، و غیرهما إلى العربی ینحل إلى حنین(3) .



(1) عیون الأنباء و طبقات الأطبإ: 261 .

(2) تاریخ حکماء الإسلام: 18 .

(3) الفهرست للندیم: 348 .

لمحة عن حیاة المؤلف (21)


و منهم: عیسى بن علی البغدادی طبیب المتوکّل و المعتمد العباسی، کان فاضلاً، و
له من الکتب: کتاب تذکرة الکحّالین، و کتاب المنافع الّتی تستفاد من أعضاء الحیوان .

و منهم: عیسى بن یحیى بن إبراهیم، کان من الناقلین المجودین من الیونانی إلى
السریانی، و له سوى ما نقل تآلیف .

وفاته و مدّة عمره

کان مولد حنین کما قلنا فی سنة مائة و أربع و تسعین 194 للهجرة، عاش سبع
عشرة من عمره صبیا و متعلّما إلى سنة 211 حیث رجع إلى بغداد، و بقیة عمره کان معلّما
مترجما مؤلّفا، و توفی فی زمان المعتمد العباسی لست خلون من صفر سنة ستّین و مائتین
260، و قیل أربع و ستین و مائتین 264، فکانت مدّة حیاته سبعین عاما أو بنقص أربعة، و
قیل مات بالذرب. و قال ابن جلجل: إنّه مات بالغم من لیلته فی أیّام المتوکل، قال:
حدّثنی بذلک وزیر المستنصر باللّه‏ قال: کنت مع الأمیر فجرى الحدیث فقال: أتعلمون
کیف کان موت حنین بن إسحاق؟ قلنا: لا یا أمیر، قال: خرج المتوکل على اللّه‏ یوما و به
خمار، فقعد فی مقعده فأخذته الشمس، و کان بین یدیه الطیفوری النصرانی الطبیب و
حنین بن إسحاق، فقال الطیفوری: یا أمیر، الشمس تضرّ بالخمار، فقال المتوکل لحنین: ما
عندک فیما قال؟ فقال حنین: یا أمیر، لا تضرّ بالخمار، فلمّا تناقضا بین یدیه طلب
کشفهما عن صحّة أحد القولین، فقال حنین: یا أمیر، الخمار حال للمخمور، و الشمس لا
تضرّ بالخمار إنّما تضرّ المخمور، فقال المتوکل: لقد أحرز من طبائع الألفاظ و تحدید
المعانی ما فاق به نظرإه، فوجم لها الطیفوری، فلمّا کان فی غد ذلک الیوم أخرج حنین من
کمّه کتابا فیه صورة المسیح مصلوبا و صور ناس حوله، فقال له الطیفوری: یا حنین،
هؤلاء صلبوا المسیح؟ قال: نعم، فقال له: ابصق علیهم، قال حنین: لا أفعل، قال

(22) تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب


الطیفوری: و لم؟ قال: لأنّهم لیسوا الّذین صلبوا المسیح إنّما هی صور، فاشتدّ ذلک على
الطیفوری و رفعه إلى المتوکل یسأله إباحة الحکم علیه بدیانة النصرانیّة، فبعث إلى
الجاثلیق و الأساقفة و سألوا عن ذلک، فأوجبوا اللعنة على حنین، فلعن سبعین لعنة بحضرة
الملأ من النصارى، و قطع زناره، و أمر المتوکل أن لایصل إلیه دواء من قبل حنین حتى
یستشرف على عمله الطیفوری، و انصرف حنین إلى داره فمات من لیله، فیقال مات غمّا
و أسفا.

أقول: هکذا نقل ابن أبی اُصیبعة، و فیه اختلاف مع ما نقل هو نفسه أیضا من قلم
حنین فی رسالته، فراجع إن أردت تفصیله .

هذه الرسالة

هی مختصرة فی بیان طبائع الأغذیة و طبائع الأبدان و حالاتها الّتی علیها مبنى
الطبّ القدیم الّذی کان من مفاخرنا، فللکتاب أهمیّة خاصّة من جهات ثلاث :

الاُولى: عمومیّة موضوعه أعنی حفظ الصحة و تدبیرها بالأطعمة و الأشربة، و هو
واجب عقلاً على کلّ فرد من أفراد المجتمع من أیّ دین و مذهب و نحلة مع أیّ فکرة و
عقیدة، بل یواظب علیها فطرة کل حیوان و نبات و جمیع الموجودات الّتی لها علاقة
بالحیاة .

الثانیة: عظمة شأن مؤلّفها و من جادت قلمه بها، لأنّه کان إمام وقته فی صناعة
الطب الأغریقی و الفارسی و غیرهما کما ذکرنا، و له حقّ على کلّ من جاء بعده و استفاد
من مدرسته و ترجمته، و هو الّذی خرج من مدرسته مثل صاحب الحاوی فی الطبّ أبی
بکر محمد بن زکریّا الرازی أوّل مکتشف و مخرج کیماویّ ظهر فی العالم .

الثالثة: امتساس الحاجة بها و أمثالها أکثر من السابق، لأنّا فی زمان غلت فیه

لمحة عن حیاة المؤلف (23)


الأسعار سیّما أسعار دکاکین الأطباء الّذین لم یسمعوا نصح ابن زکریا الرازی، و نسوا أدبهم
الطبی و نقضوا عهدهم الّذی حلفوا له، حیث جعلوا مطبّهم متجرهم و طبابتهم تجارتهم و
لم یفکروا أنّ الحوادث و الأمراض تجعل البشر غرضا لسهامها بلا فرق بین الغنی و الفقیر،
فکم من مبتلى بمرض غیر صعب مات بجرم فقره و إفلاسه .

مضافا على أنّ أطبّاء زماننا یعالجون مرضاهم بأدویة کیماویة لا تعلم غالبا آثارها
و العناصر المشکّلة لها، فبعض منها یستر العلّة و لا یبرئها، و بعض آخر یفسد أکثر مما
یصلح، و مداومة بعضها تمرض و تسبّب علّة صعبة غیر معروفة، و... إذا فلا مفرّ و لا منجى
للبشر خصوصا للاُمّة الإسلامیّة إلاّ العود إلى طبّها العریق المبتنی على الأغذیة و الأدویة
الّتی خلق اللّه‏ لهم، و الصانع أعلم بمصنوعه، فجرّبتها أسلافنا الکرام بأنفسهم، أو أخذوا من
کتاب نازل أو سمعوا من لسان نبیّ و وصیّ فضبطوها و قیّدوها بالکتابة حتى ننتفع بها،
لکنّها مع الأسف الشدید بقیت مخطوطة مغمورة و فی خزائن الکتب مقبورة .

أقول: سرد الکتاب فی تألیفات حنین أکثر المترجمین له و لو باختلاف قلیل فی
العنوان، و تدلّ على صحّة النسبة والاسم مضافا إلى الاعتماد علیه استدلال الرازی بمطالبه و
إخراج سطور من ابتدائه فی کتابه المذکور أعنی الحاوی فیقول: "ومن کتاب حنین فی  تدبیر الأصحاء بالمطعم والمشرب قال لمّا کانت أبداننا دائمة التحلل...".

کما أخرج جلّ الکتاب ابن عبد ربه الاأندلسی فی الجزء الثامن من العقد الفرید الصفحة 20 ولم یشر إلی اسم الکتاب و مؤلفه فقال ولمّا کانت أبدان الناس دائبة التحلل لما فیها....

نسخ الرسالة

و أمّا النسخ الخطیّة الموجودة من هذه الرسالة حسب ما تدلّنا علیه فهرس
المخطوطات فلیست متوفرة بل لا یبلغ عددها عدد أصابع ید واحدة، و بحمد اللّه‏ و منّه تیسّر لنا
تحصیل جملتها و الاستفادة منها لتحقیق الرسالة، و أوصافها کما تلى.

النسخة الاُولى و هی الّتی جعلناها أصلاً للعمل نسخة قیّمة صحیحة قدیمة من
المخطوطات النفیسة الّتی رقدت عنها عیون الدهر حتّى وصلت إلینا و کتبت هذه النسخة

(24) تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب


بخط جلی واضح مع إهمال بعض نقاط الحروف المعجمة فی سنة 396 ه ق ببلدنا
نیسابور، و مع الأسف سقطت وریقات من أوّلها، وقعت هذه النسخة فی مجموعة ثلاثیّة
مضبوطة تحت الرقم العام 12502، و الرسالتان الاُخریان معها إحداهما «الروزنامجة» و
الاُخرى «إظهار مساوی شعر المتنبّی» کلاهما للصاحب ابن عباد الوزیر و هی من ذخائر
المکتبة الرضویّة بمشهد الرضا «ع» لم یطلع علیها جلّ الباحثین عن آثار حنین و ابن
عباد، فمنّ اللّه‏ تعالى علینا بها فقمنا بتحقیق ما فی المجموعة .

و النسخة الثانیة نسخة صحیحة کاملة معروضة على الأصل و مکتوبة بحواشیها
البلاغات، کتبت هذه من نسخة صاحبها و مالکها الحکیم أبو الوقت صافی حکیم الدین
عارف بیدی عبداللّه‏ ابن عبداللّه‏، عبدالکریم ابن عبدالکریم محمد فی غرة شهر ذی الحجة
سنة 959 ه ق ببلدة دارابجرد، و اودعت معها نسخ الأدویة المرکّبة الّتی تعمل علیها فی
خزانة البیمارستان العضدی، و هذه أیضا من مخطوطات المکتبة المذبورة على صاحبها
آلاف التحیة، مرقّمة تحت رقم 5095 .

و النسخة الثالثة أیضا نسخة خطّیة قریبة من الثانیة فی ضبط کلماتها، بل عدم
الفرق بینهما یوهم وحدة اُمّهما و لو بالواسطة، لکن سقطت منها عدّة أبواب من وسطها، و
جاءت فی آخرها: تمّت الرسالة و نُقل من خطّ مَن نقل من خطّ أمین الدّولة ابن التلمیذ
الفاضل الطبیب، و الحمد للّه‏ أوّلاً و آخرا فی شهر شعبان المعظم سنة تسع و ألف 1009
ه،ق. و تحتفظ بها مکتبة مجلس سنا السابق بطهران تحت رقم 3190/71 .

أقول: و یظهر ممّا قال محمّد علی أبوریان مفهرس کتاب «المسائل فی الطب»
لحنین بن إسحاق وجود نسخة اُخرى فی مکتبة حکیم بحلب. هذا و الحمد للّه‏ أوّلاً و آخرا
و السّلام علینا و على عباد اللّه‏ الصالحین و رحمة اللّه‏ و برکاته .

مشهد الرضوی «ع»

السیّد محمّد الحسینی النیسابوری

لمحة عن حیاة المؤلف (25)

(26)

من النفائس الّتی ترى النّور لأوّل مرّة

تدبــــیر الـــصحّة

بالمطعم و المشرب

للطبیب المشهور أبی زید حنین بن إسحاق العبادی

المتوفى سنة 264 ه

حققه:

السیّد محمّد الحسینی النیسابوری

(27)

(28)

بسم اللّه‏ الرّحمن الرّحیم
و بنور اللّه‏ نستعین

یقول أحوج خلق اللّه‏ العلیم الخلاّق حنین بن إسحاق:(1) لمّا کانت الأبدان دائمة
التحلّل، لما فیها من الحرارة الغریزیّة، و لحرارة الهواء المحیط بها من خارج، احتاجت
إلى ما یخلف مکان ما یتحلّل منها، فاضطرّت لذلک إلى الأطعمة و الأشربة .

و جعلت فیها قوّة الشهوة لیعلم بها وقت الحاجة إلیها، و مقدار ما یتناول منها، و
النّوع(2) الّذی یحتاج إلیه .

و لأنّه لا یخلف الشیء الّذی تحلّل، و لا یقوم مقامه إلاّ مثله، و لیس یوجد فی
الأطعمة و الأشربة شیء مثل ما یتحلّل من البدن، اُحتیج إلى أن تکون الأطعمة و الأشربة
تستحیل فی البدن لتقوم مقام الّذی یتحلّل و تصیر فی مکانه، و لیس تستطیع القوّة الّتی
تحیل الطعام و الشراب فی بدن الإنسان أن تحیل إلاّ ما شاکل البدن و قاربه .

و لیس جمیع أجزاء الشیء الّذی یؤکل، أو یشرب بمشاکلة للبدن، فلذلک لابدّ من


(1) هذه الفقرة إلى هنا فی «س» فقط .

(2) فی «س»: أنواع .

تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب (29)


أن تبقى من الطعام و الشراب فی الأبدان فضول یحتاج أن تنقّى عن الأبدان، و تخرج منها.

و کما أنّ الطعام و الشراب إذا ورد المعدة و فعلت فیه فعلها صار جزء منه(1) إلى
الکبد، و صار الباقی برازا ینقى عن البدن، فکذلک سائر الآلات الّتی فی البدن و المواضع
الّتی یصیر الغذاء إلیها .

و إذا کان هذا هکذا، فلابدّ لمن أراد حفظ الصحّة من أن یقصد لوجهین :

أحدهما: أن یدخل على البدن بالأغذیة الموافقة، خلفا ممّا یتحلّل منه .

و الآخر: أن ینفی عنه ما یتولّد فیه من فضل الأغذیة .

{مایصلح لکل طبیعة من الأغذیة}

و قد یحقّ لذلک أن یعرف اختلاف طبایع الأغذیة، و اختلاف طبایع الأبدان و
حالاتها، لیعلم موافقة کلّ نوع من الأطعمة لکلّ صنف من النّاس، و ذلک لأنّ طبایع
الأغذیة مختلفة :

فمنها: معتدل، کالّذی یتولّد منه الدّم الخالص النقیّ .

و منها: غیر معتدل، کالّذی یتولّد منه مع الدّم البلغم الزائد، أو الصفراء، أو السوداء
الزائدتان، أو ریاح غلیظة و نفخ .

و منها: غلیظة .

و منها: لطیفة .

و منها: ما یتولّد منه کیموس لزج .

و منها: ما یتولّد منه کیموس غیر لزج .

و منها: ما له خاصیّة منفعة أو مضرّة لبعض الأعضاء دون بعض .

و الأبدان أیضا، منها: معتدل مستولٍ علیه فی طبیعته الدّم الخالص النقیّ.

و منها: غیر معتدل یغلب علیه البلغم، أو إحدى المرّتین .

و منها: متخلخل سریع التحلّل .


(1) فی «س»: منها .

(30) تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب

و منها: مستحصف(1) عسر التحلّل .

و منها: ما جمیع أعضائه صحیحة سلیمة .

و منها: ما به آفة فی بعض الأعضاء دون بعض .

و قد یجب متى کان المستولی على البدن الدّم النقیّ أن تکون أغذیته قصدا فی
قدرها، معتدلة فی طبایعها .

و متى کان الغالب علیه البلغم، فینبغی أن تکون أغذیته مسخنة مجفّفة .

و متى کان الغالب علیه الصفراء، فینبغی أن یغذّی بما یقمع الصفراء و یزید فی
الرطوبة .

و متى کان الغالب المِرّة السوداء، فینبغی أن یغذّی بالأطعمة الحارّة الرطبة .

و متى کان البدن متخلخلاً سریع التحلّل، فینبغی أن یغذّى بأغذیة کثیرة غلیظة
جافّة لزجة، لکثرة ما یتحلّل من البدن .

و متى کان البدن مستحصفا عسر التحلّل، فینبغی أن یغذّى بأغذیة یسیرة لطیفة
رطبة، لقلّة ما یتحلّل منه(2) .

و هذا التدبیر ینبغی أن یلزم ما لم یکن فی بعض أعضاء البدن خاصّة آفة أو ألم،
فإذا کان ذلک فی بعض أعضاء البدن فینبغی أن نستعمل النظر فی الأغذیة الموافقة للعضو
الألِم، لأنّا ربّما اضطررنا إلى استعمال ما وافق العضو الألِم و إن کان مخالفا لحاجة سائر
البدن .

کما أنّه لو کانت الکبد باردة ضیّقة المجاری لاحتیج إلى استعمال الأغذیة اللّطیفة،
و تجنّب الأغذیة الغلیظة و إن کان سائر البدن محتاجا إلیها، لقضف، أو نحافة، أو تخلخل،
لئلاّ تحدث الغلیظة فی الکبد سُددا .


(1) أی مستحکم ضیّق .

(2) فی «س» هذه الفقرة مقدّمة على سابقتها .

تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب (31)

و ربّما کانت الکبد حارّة فنحذر الأغذیة الحلوة و إن احتاج إلیها سائر البدن،
لسرعة استحالتها إلى المرّة الصفراء .

و ربّما کانت المعدة ضعیفة فنحتاج إلى ما یقوّیها من الأغذیة .

و ربّما کان ما یتولّد فیها بلغما فنحتاج إلى ما یجلوه و یقطعه(1) .

و ربّما کان تولّد المِرّة فیها سریعا کثیرا، فنحتاج إلى ما یقمع حدّة الصفراء، أو إلى
تجنّب الأشیاء المولّدة لها .

و ربّما کان الطعام یبقى على رأس المعدة فیطفو، فنستعمل الأطعمة الغلیظة الراسبة
لتسفل بثفلها إلى قعر المعدة، أو نأمر بحرکة یسیرة بعد الطعام لینحطّ الطعام عن رأس
المعدة .

و ربّما لم یکن ذلک فلم نحتج إلى مثل ما ذکرنا من الأطعمة و الحرکة .

و متى کان انحدار الطعام عن المعدة قبل انهضامه، احتجنا إلى ما یقبض و یمسک .

و متى کان فضل الطعام بطیء الانحدار عن المعدة و الأمعاء، احتجنا إلى ما یحدره
و یلیّن البطن .

و متى کان الرأس حارّا قبولاً للبخار، تجنّبنا الأغذیة الحارّة و إن احتاج إلیها سائر
البدن .

{الحرکة والنوم مع الطعام}

و ینبغی أن لا نقتصر على ما ذکرنا (من) دون النظر فی مقدار الحرکة قبل الطعام، و
النوم بعده .

فمتى کانت الحرکة قبل الطعام کثیرة غذونا بأغذیة کثیرة غلیظة لزِجة إلى الیبس،
ما هی بطیئة التحلّل، و لم نأمر بالحِمْیة، لقلّة الحاجة إلیها.

و متى لم تکن قبل الطعام حرکة، أو کانت یسیرة، فینبغی أن لا نقتصر على الحِمیة،
و قلّة الطعام، و لطافته (من) دون أن نستعین على استنظاف ما یتولّد فی البدن من الفضل


(1) فی «س»: یجلوه بقطعه .

(32) تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب


بالاستفراغ بالأدویة المسهلة، و بالحمّام، و بما یدرّ البول، و بإخراج الدّم.

و متى کانت الحرکة کافیة استعملنا الأغذیة المعتدلة فی کثرتها، و قدر لطافتها، و
غلظها .

و متى کان النوم أیضا بعد الطعام کثیرا احتجنا إلى استعمال أغذیة کثیرة غلیظة، و
لذلک نحتاج فی الشتاء(1) إلى أطعمة کثیرة غزیرة الغذاء، لطول اللّیل، و کثرة النوم .

و متى کان النوم قلیلاً احتجنا إلى أطعمة قلیلة، خفیفة، لطیفة، کالّذی یغذّى به فی
الصیف، لقصر اللّیل و قلّة النوم .

{تقدیر الطعام و ما یقدم منه و ما یؤخر}

و یجب أن یقدّر فی الطعام أربعة أنحاء :

أوّلها: ملاءمة الطعام للبدن المغتذی به فی الوقت الّذی یغتذی به، کما ذکرنا آنفا أنّه
متى کان الغالب على البدن الحرارة احتاج إلى الأغذیة الباردة، و متى کان البرد علیه
غالبا احتاج إلى الأغذیة الحارّة، و متى کان معتدلاً احتاج إلى الأغذیة المعتدلة المشاکلة
له .

و متى تناول أحد طعاما غیر ملائم و لا موافق له فینبغی أن لا یفرده بل یخلط به، و
یأکل معه طعاما ملائما یصلح به ما یخافه من ضرر الطعام الردیء الّذی تناوله معه .

و النحو الثانی: مقدار الطعام، أن یکون بقدر احتمال قوّة الهضم، لأنّه ـ و إن کان
الطعام فی نفسه محمودا، و کان ملائما للبدن ـ متى کان أکثر من احتمال قوّة الهضم فلم
یستحکم نضجه تولّد منه غذاء ردیّ .

و النحو الثالث: تقدیم ما ینبغی أن یقدّم من الطعام، و تأخیر ما ینبغی أن یؤخّر، مثال
ذلک أنّه ربّما جمع الإنسان فی أکلةٍ واحدة طعاما یلیّن البطن و طعاما یحبس البطن .

فإن هو قدّم الطعام الملیّن، و أتبعه بالآخر سهل انحدار الطعام بعد انهضامه. و متى
قدّم الطعام الحابس، و أتبعه بالملیّن لم ینحدرا و فسدا جمیعا.


(1) فی «ض» لایوجد: فی الشتاء .

تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب (33)

و ذلک لأنّ الطعام الملیّن إذا انهضم و حال بینه و بین النزول الطعام الحابس بقی فی
المعدة بعد انهضامه، ففسد و أفسد بفساده الطعام الآخر.

و متى کان الطعام الملیّن قبل الحابس انحدر الملیّن بعد انهضامه و سهّل الطریق
لإنحدار الحابس .

و کذلک أیضا، إن جمع أحدٌ فی أکلةٍ واحدة طعاما سریع الانهضام، و طعاما بطیء
الانهضام، فینبغی أن یقدّم البطیء الانهضام، و یتبعه السریع الانهضام، لیصیر البطیء
الانهضام فی قعر المعدة، لأنّ قعر المعدة أحرّ و أقوى على الهضم، لکثرة ما فیه من أجزاء
اللّحم المخالطة له، و أعلى المعدة عصبیّ بارد، ضعیف الهضم، و لذلک إذا طفا الطعام فی
رأس المعدة لم ینهضم .

و النحو الرابع: أن یتناول الطعام فی وقته، و ذلک لأنّ من أخذ الطعام الثانی بعد
انحدار الأوّل و قدّم قبله حرکةً کافیةً و أتبعه بنومٍ کافٍ استمرأه .

و من أخذ طعاما و قد بقی فی معدته أو فی أمعائه بقیّة ذات قدر من الطعام الأوّل
غیر منهضمة، فسد الطعام الثانی ببقیّة الأوّل .

{باب الحرکة والنوم مع الطعام}

و من أکل طعامه بعد حرکةٍ کافیةٍ أخذه على نقاء و على حاجة منه إلیه، و وافى
الطعام الحرارة الغریزیّة متحرّکة بمنزلة النّار إذا اشتعلت .

و من تناول طعامه من غیر حرکة أخذه على غیر نقاء و على غیر حاجة من البدن
إلیه، و وافى الطعام الحرارة الغریزیّة خامدة بمنزلة النّار الکامنة فی الرّماد .

و من أتبع الطعام بنوم بطنت الحرارة الغریزیّة فیه، و اجتمعت فی باطن البدن
فهضمت طعامه .

و من أتبع الطعام بحرکة انحدر الطعام عن معدته غیر منهضم، و انبثّ فی العروق
غیر مستحکم، فأحدث سُددا و عِللاً فی الکبد و الکلى و سائر الأعضاء، و ربّما کانت
الأطعمة لضعف المعدة تطفو فیها فیصیر فی أعلاها، فلا نأمر بالنوم حتّى ینحدر الطعام عن

(34) تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب


المعدة (بعض الانحدار حتى یصیر فی قعر المعدة)(1) و ربّما أمرنا بالحرکة الیسیرة، کما
ذکرنا آنفا لإحدار الطعام .

و متى أتبع الطعام بالشراب منع الطعام من الانهضام، لأنّه یحول فیما بین جرم
المعدة و بین الطعام، فإذا لم تلق المعدة الطعام لم یحله إلى مشاکلة البدن و موافقته، فیبقى
فیها غیر منهضم، فیجب لذلک على من أخذ الطعام أن یتناول معه من الشراب ما یسکن به
حرّ(2) العطش، و یصبر على ما قدر احتماله منه، و یلبث حتّى ینهضم، ثمّ یتناول بعد ذلک
من الشراب ما أحبّ، فإنّه عند ذلک یعین على إحدار الطعام، و یرقّه لینفذ فی المجاری
الدّقاق .

و یجب أیضا، أن یکون أخذ الطعام فی وقت تحرّک الشهوة، و ذلک لأنّه متى
تحرّکت الشهوة فلم یبادر بأخذ الطعام اجتذبت المعدة من فضول البدن ما إذا صار فی
المعدة أبطل الشهوة، و أفسد الطعام إذا خالطه.

{الأوقات التی یصلح فیها الطعام}

و أجود الأوقات لأخذ الطعام الأوقات الباردة، لجمعها الحرارة فی باطن البدن، و
أمّا الأوقات الحارّة فینبغی أن یجتنب أخذ الطعام فیها، لأنّ حرارة الهواء تجتذب الحرارة
الغریزیّة إلى ظاهر البدن و یخلو منها باطنه فتضعف الحرارة فی باطن البدن عن(3) هضم
الطعام .

و لذلک کانت القدماء تفضّل العشاء على الغداء، و تأمر أن یکون ما یتناوله من
احتاج إلى الغذاء فی الغداء ثُمن ما یتناوله فی العشاء، لما یلحق العشاء من اجتماع
الحرارة فی باطن البدن، لبرد اللّیل، و للنّوم، لأنّ الحرارة فی النوم تبطن و تسخن باطن
البدن، و تبرد ظاهره، و فی وقت الیقظة یعرض خلاف ذلک، لأنّ الحرارة تنتشر فی ظاهر


(1) ما بین القوسین فی «س» فقط .

(2) فی «س» و «ض» : حل، و لعله کان صدى العطش .

(3) فی «س»: على .

تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب (35)


البدن، و تضعف فی باطنه .

و الّذی یحتاج إلى الغذاء من الناس من کان الغالب على بدنه الحرارة، کانت معدته
لحرارتها سریعة التولید للمرّة الصفراء، و قد یحتاج من تتولّد فی معدته أو تنصبّ إلیها
کثیرا مرّة صفراء، إلى الأطعمة الغلیظة البطیئة الانهضام، و یستمرئها، و لا یستمرئ
الأطعمة الخفیفة اللطیفة السریعة الانهضام، لأنّ المرّة تقوى على الخفیف من الطعام
فیفسده، و لا تقوى على إفساد الغلیظ، و لذلک تجد من الناس من یستمرئ لحم البقر و لا
یستمرئ لحم الدرّاج و ما أشبهه من الأطعمة الخفیفة .

و للعادة فی هذا حظّ عظیم، لأنّ من اعتاد الغداء فترکه و اقتصر على العشاء عظم
ضرر ذلک علیه، و من کانت عادته أکلةً واحدة فجعلها أکلتین لم یستمرئ طعامه .

و من کانت عادته أن یجعل طعامه فی وقت من الأوقات، فنقله إلى غیر ذلک
الوقت تبین له عیب(1) ذلک، و إن کان قد نقل الطعام من وقت مذموم إلى وقت محمود،
فیجب لذلک أن یتبع العادة إذا تقادمت و طالت و إن کانت لیست بصواب، إذا لم یحدث
شیء یضطرّ إلى نقلها، لأنّ العادة طبیعة ثانیة کما ذکر الحکیم بقراط، فإن حدث شیء
یدعو إلى الانتقال عنها، فأوفق الاُمور فی ذلک أن ینتقل عنها قلیلاً قلیلاً .

و للشّهوة أیضا فی استمراء الطعام أعظم الحظّ، لأنّها دلیل على الموافقة و
الملاءمة، فمتى کان طعامان متساویان فی الجودة، و کانت شهوة المحتاج إلیهما إلى
أحدهما أمیل، رأینا إیثار المشتهى على الآخر، لأنّه أوفق للطبیعة، و أسهل علیها فی
الاستمراء .

و متى کان طعامان أحدهما أجود من الآخر، و کانت شهوة المحتاج إلیهما إلى
أقلّهما جودةً أمیل، اخترناه على أجودهما إذا لم نخف منه ضررا أکثر ممّا ینال منه من
المنفعة، لحسن قبول المعدة و استمرائها إیّاه.


(1) فی النسخة: عب .

(36) تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب

فقد بان ممّا ذکرنا أنّه یحتاج فی حسن استعمال الأغذیة و جودة تخیّرها إلى
معرفة اختلاف طبایع الأبدان و حالاتها، و اختلاف قوى الأطعمة، و قد بیّنت اختلاف
طبایع الأبدان و حالاتها و ما یوجب کلّ واحدة منها من أنواع الأطعمة و الأشربة .

فبقی أن اُبیّن اختلاف قوى الأدویة(1) و الأطعمة و الأشربة، و أنا مصنّف أنواع
الأغذیة، و ذاکر ما فی کلّ نوع منها من الأصناف، و مسمّ ما فی کلّ صنف منها، و ذاکر مع
کلّ صنف حالات الأبدان الموافق لها .

القول
فی الأغـذیة الملـطّفـة

الأغذیة الملطّفة ثلاثة أجناس:

منها: ما یتولّد منه دم لطیف، فیقال لها: ملطّفة، لأنّ الدم المتولّد منها إذا خالط الدم
الّذی فی البدن صار ألطف و أرقّ ممّا کان، کلباب خبز الحنطة الجیّد المغسول غسلات، و
لحم الفراریج(2) و الدُّرّاج، و الطیهوج، و الحَجَل و ما أشبهه، و أجنحة جمیع الطیور، و ما
لان لحمه من صغار السمک و لم تکن فیه لزوجة، و القرع، و الماش، و ما أشبه ذلک .

و هذا الجنس من الأطعمة نافع لمن لا یرتاض(3) و کانت الحرارة الغریزیّة فی بدنه
ضعیفة، و لم یأمن أن یتولّد فی بدنه کیموس غلیظ، و یتولّد فی کبده أو فی طحاله سُدد، أو
فی کلاه، أو فی صدره، أو فی دماغه، أو فی شیء من مفاصله علّة من البلغم .

ثانیها: غذاء یلطّف الأخلاط الغلیظة و یتولّد منه إمّا خلط غلیظ، مثل الشلجم، و


(1) فی «ض» لا یوجد: الأدویة .

(2) فی «س» زیادة: و الدجاج .

(3) فی «ض» و «س» مکان «لا یرتاض»: لم تکن له حرکة .

تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب (37)


الجزر، و الفجل، و البصل(1)، و ما أشبه ذلک، و هذا الصنف من الأطعمة(2) متى طبخ أو
شوی ذهبت عنه قوّة الحرافة و التقطیع و بقی جرمه غلیظا ردیّا .

و قد یمکن أن تنال المنفعة من تقطیع مثل هذه الأغذیة و تلطیفها، و یسلم من غِلظ
جرمها على إحدى ثلاث جهات:

إمّا بأن یطبخ مع ما فیه من الغلظ فیلطّفه، کالّذی یفعل بالبصل .

و إمّا بأن یقطع و یطبخ(3) و یستعمل ماؤه، کالّذی یفعل بالفجل .

و إمّا بأن یؤکل شیء منها نیّا لتقطیع البلغم و یتقیّأ به، کالّذی یفعل بهما جمیعا .

(و قد قلنا فیما تقدّم: و ثانیها غذاء یلطّف الأخلاط الغلیظة، و یتولّد منه إمّا خلط
غلیظ، فنقول الآن :

و إمّا خلط معتدل بین اللطافة و الغلظ، کالجزر البرّیّ الرطب، و کالشَّقاقُل)(4) .

و إمّا خلط لطیف، و فی هذا الجنس أربعة أصناف:

أوّلها: عذب جلاّء(5) یلطّف بما فیه من قوّة الجلاء، کماء الشعیر، و البطّیخ، و التّین
الیابس مع الجوز، و الفُستق(6)، و العسل، و ما یعمل منه من الناطِف(7)، (و هذا الصنف


(1) فی «ض» و «س»: و من الأغذیة الملطّفة جنس آخر یلطّف ما یلقى من الشیء الغلیظ بما
فیه من الحدّة و الحرافة و هو فی نفسه غلیظ مولّد للکیموس الغلیظ، کالبصل و الجزر و
الفجل و الشلجم .

(2) فی الأصل لا یوجد: من الأطعمة .

(3) کذا فی الأصل، و فی غیره: یعصر أو یطبخ .

(4) ما بین القوسین فی الأصل فقط، و مکانه فی «ض» و «س»: و من الأغذیة الملطّفة جنس
ثالث یکون الّذی یتولّد منه لطیفا و یلطّف ما یلقاه فی البدن من الکیموس الغلیظ اللزج و فی
هذا الجنس من الأطعمة الملطفة أربعة الخ.

(5) کذا فی الأصل و فی غیره: عذب حلو .

(6) معرّب بِستَهْ بالفارسیة .

(7) الناطف: نوع من الحلوى کالرغوة البیضاء، سمّی به لأنّه ینطف أی یقطر قبل استضرابه أی
ابیضاضه.

(38) تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب

قریب فی منفعته من الجنس الأوّل من الأطعمة الملطّفة إلاّ أنّه أبلغ منه فی تلطیف أخلاط
البدن .

ثانیها:(1) حادّ(2) حرّیف، مقطّع، کالخردل، و الجزَر(3)، و الثَّوم، و الکُرّاث، و
الکرفس، و الجِرجِیر، و الصَّعتَر، و النَّعنَع، و الفُودَنَج، و الرازیانَج، و السَّذاب، و الشّبث، و
الکَمُّون، و الکَبَر، و الکَرویا، و الشراب(4) الصافی اللطیف العتیق الحادّ .

و هذا الصنف نافع لتفتیح(5) السّدد الّتی فی الکبد، و الطّحال، و الصّدر، و الدّماغ، و
لتقطیع البلغم و ترقیقه .

و لا ینبغی لأحد أن یکثر استعماله، لأنّه یرقّق الدّم أوّلاً و یصیّره مائیّا، فیقلّل بذلک
غذاء البدن و یضعّفه، ثمّ إنّه من بعد ذلک یسخن الدّم سخونة مفرطة فیصیر أکثره مرّة
سوداء(6) .

ثمّ إنّه من بعد ذلک أیضا، إذا تمادى المستعمل له(7) فی استعماله حلّل لطیف الدّم و
ترک غلیظه، و حمل علیه فی الخفیف و الغلیظ(8) فیصیر أکثره مرّة سوداء، و ربّما تولّد من
ذلک حجارة فی الکلى .

و مضرّة هذا الصنف أشدّ و أبلغ على من کان الغالب علیه المرّة الصفراء .


(1) فی غیر الأصل: و الصنف الثانی .

(2) فی «س»: حار .

(3) فی «ض» و «س»: الحرف مکان الجزر .

(4) فی غیر الأصل زیادة: الأصفر .

(5) فی «ض» و «س»: لمن احتاج إلى ما یفتح...و یقطع البلغم و یرققه .

(6) فى «ض» و «س»: صفراء .

(7) لا یوجد فی الأصل: له .

(8) فی غیر الأصل: فی التخفیف و التغلیظ .

تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب (39)

و ثالثها:(1) یذیب و یلطّف بملوحته، کالمُرّی، و ما لان لحمه و قلّ شحمه من
السّمک إذا ملح، و کالسِّلق، و ماء الجبن، و کلّ ما یقع(2) فیه من الأطعمة الملح و المُرّی و
البُورَق .

و منافع هذا الصّنف و مضارّه قریبة من منافع و مضارّ الأشیاء الحارّة الحرّیفة، إلاّ
أنّ هذا الصّنف فی تنقیة المعدة و الأمعاء و تلیین الطّبیعة أبلغ .

و رابعها:(3) یقطع و یلطّف بحموضته، کالخلّ و السکنجبین، و حمّاض الاُترجّ، و
ماء الرمّان الحامض، و کلّ ما یتّخذ منها(4) من الأطعمة .

و هذا الصّنف نافع لمن کانت معدته و سائر بدنه حارّا(5)، و قد تولّد فیه بلغم من
غلظ ما تناول من الأغذیة، أو من کثرتها .

القول
فی الأغـذیة الغـلـیظة

الأعذیة الغلیظة إن صادفت بدنا حارّا، کثیر التّعب قبل الطّعام، کثیر النّوم بعده
انهضمت و غذّت البدن غذاءا کثیرا باقیا، و قوّتْه تقویة کثیرة، و أجود ما تستعمل هذه
الأغذیة فی الشّتاء، لاجتماع الحرارة فی باطن البدن، و طول النّوم، (و متى أحسّ أحد فی
بدنه نقصانا بیّنا)(6) .



(1) فی غیر الأصل: و الصنف الثالث .

(2) فی غیر الأصل: جعل .

(3) فی غیر الأصل: و الصنف الرابع .

(4) فی النسخة: بها .

(5) لا یوجد فی الأصل: حارّا و .

(6) ما بین القوسین فی «ض» و «س» .

(40) تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب

فإن صادفت هذه الأغذیة بدنا قلیل الحرارة، و لا سیّما معدةً قلیلة الحرارة و لم
یتعب قبل طعامه، أو تعب تعبا قلیلاً، و کان نومه بعد الطعام قلیلاً لم یستحکم انهضاما(1)،
و تولّد منها فی البدن کیموس غلیظ خام تتولّد منه سدد فی الکبد و الطحال .

فینبغی لذلک لمن أکل طعاما غلیظا من غیر حاجة إلیه لغلبة الشّهوة علیه فی مثل
هذه الحالات أن یقلّ منه و لا یفرده(2) و لا یُدمنه، (فإن کان مع ذلک ردیّ الکیموس،
فینبغی فی جمیع الحالات أن یقلّ منه و لا یدمنه؛ و لا یفرده أیضا إذا دعت الحاجة إلى
تناوله لضرورة أو شهوة غالبة)(3) .

و ما کان من الأطعمة الغلیظة(4) له مع غلظه لزوجة فهو أغذاها إن انهضم، فإن لم
ینهضم فهو أکثرها تولیدا للسُّدد .

و جمیع الأغذیة الغلیظة، فالغالب علیها الیبس و الصلابة و اللزوجة على الإفراد و
على الترکیب .

و هذه الحالات الّتی ذکرناها ربّما کانت فی الأغذیة من طبایعها، و ربّما حدثت لها
من ملاقات الحرارة و الطبخ .

فالعدس، و لحم الأرانب، و البَلُّوط، و الشاهبلُّوط، و القَسْب الیابس، و الکمأة، و
الباقلى المقلوّ غلیظةٌ، لأنّ الیبس غالب علیها فی طبایعها .

و أمّا الکُبود، و ما اشتدّ من البیض المسلوق و المشویّ، و کلّ ما قلی منه، و اللّبن
المطبوخ طبخا کثیرا، و الضروع، و عصیر العنب المطبوخ، و لا سیّما إن کان العصیر غلیظا
فی طبیعته، فکلّ هذه غلیظةٌ، لأنّ الحرارة بالطبخ أحدثت لها یبسا و انعقادا.


(1) فی «ض» و «س»: و إن أکلها أحد و کانت الحرارة فی بدنه قلیلة و خاصة فی المعدة، أو کان
تعبه قبل الطعام، و نومه بعده قلیلاً لم یستحکم انهضامها .

(2) لیست فی الأصل: و لا یفرده .

(3) مابین القوسین ساقط فی «ض» و «س» .

(4) الغلیظة فی «ض» و «س» .

تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب (41)

و أمّا لحوم الأیائل(1)، و لحوم التُّیوس، و لحوم البقر، و الکُروش، و الأمعاء فإنّها
غلیظةٌ لصلابتها الطبیعیّة، و کذلک التُّرمُس، و ثمر الصنوبر، و الشلجم، و اللّوبیا.

و أمّا خُبز الفُرْن(2) فإنّ ظاهره غلیظ، لما أحدثت له النّار من الیبس، و باطنه غلیظ
للزوجة الّتی فیه، و کذلک کلّ ما لم یجد عجنه أو تخمیره(3) من خبز التنّور، و کلّ ما خبز
على الطابق بدهن أو بغیر دهن، و التمر، و السِّمسِم، و الفُطْر، و الکمأة(4)، و السَّمیذ، و
الأدمغة، و الألبان(5) فإنّها کلّها غلیظة لللّزوجة الّتی فیها طبیعیةً .

و أمّا الفالوذج فغلیظ، لللّزوجة و الانعقاد الحادثین له من الطبخ .

و أمّا الباذنجان، فإنّه غلیظ للیبس و اللّزوجة الّذین فی طبعه .

و أمّا السمک الصّلب اللَّزِج فإنّه غلیظٌ لاجتماع حالین من الحالات الّتی تجلب
الغلظ فیه .

و أمّا الجبنّ، فإنّه غلیظ لاجتماع الحالات الثلاث فیه .

و أمّا الأکارع و الشفاه و أطراف العَضَل فإنّها تولّد کیموسا لزجا لیس بالغلیظ.

و قد یتولّد بالعرَض من الأغذیة الباردة کیموس غلیظ، لضعف حرارة البدن عن
هضمها و تلطیفها، کالّذی یعرض من أکل الفاکهة قبل نضجها، و من أکل الخیار، و القثّاء، و
شحم الاُترجّ، و اللّبن الحامض .


(1) الأیائل جمع الأیّل: ذکَرُ الأوعال و هو التیس الجبلیّ

(2) الفُرن: بیت غیر التنّور معدّ لأن یخبز فیه، و الفُرنیّ: خبز غلیظ مستدیر .

(3) فی «ض» و «س» زیادة: أو إنضاجه .

(4) لا یوجد فی «ض» و «س»: و الکمأة .

(5) فی «ض» و «س»: و اللبأ .

(42) تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب

القول
فی الأغذیة المتوسّطة بین اللطیفة و الغلیظة

من کان بدنه صحیحا معتدلاً، و لم یکن تعبه کثیرا، و لم یکن یحتاج إلى قوّة
البطش، فأجود الأغذیة له المتوسطة فیما بین اللطافة و الغلظ، لأنّها لا تنهک البدن و لا
تضعّفه کالأغذیة اللطیفة، و لا تولّد خاما و سددا کالغلیظة، و هی کلّ ما اُحکم صنعته من
الخبز، و لحوم الجِداء و الحولیّة من الماعز، و لحوم الدجاج .

و أمّا لحم الخِرْفان و الضأن کلّه فرطب(1) لزج، و لحوم فراخ الحمام، و العصافیر
فتولّد دما أسخن و أغلظ من الدم المعتدل، (و أمّا فراخ الوَرّاشِین و القَطا فإنّها تولّد دما
أقلّ حرارةً و أغلظ من الدم المعتدل)(2) و أمّا الوَزّ(3) فالأجنحة منها معتدلة، و سائر البدن
کثیر الفضول، و کلّ ما کثرت حرکته من الطیر و کان مرعاه فی موضع جیّد الغذاء، صافی
الهواء، جافّ کان أجود غذاءا و ألطف، و کلّ ما کان على خلاف هذا فهو أردى(4) و أوسخ
غذاءا .

و کلّ ما لم یستحکم نضجه(5) من البیض، و خاصّة ما اُلقی على الماء الحارّ و اُخذ
من قبل أن یشتدّ فهو معتدل فی الغلظ .

و کلّ ما کان من السمک لیس بصلب اللحم، و لا بکثیر اللّزوجة، و لا کثیر
الزُهُومة(6)، و کان طیّب الطعم، و کان مرعاه فی ماءٍ نقیّ من الأوساخ و الحمأة فهو معتدل


(1) فی «ض» و «س» کذا: و أمّا لحم الخرفان و الضأن فکلّه رطب .

(2) ما بین القوسین فی «ض» و «س» .

(3) الإوَزّة و الوزّ: طائر مائی یقال بالفارسی غاز .

(4) فی «ض» و «س»: فهو أردأ و أوسخ .

(5) فی «ض» و «س»: انعقاده .

(6) فی «ض» و «س»: و لا له زهومة .

تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب (43)

جیّد الغذاء .

و من الفواکه: التین، و العنب إذا استحکم نضجهما على الشجر و أسرعا الانحدار
عن الجوف کان ما یتولّد منهما معتدلاً فی اللّطافة، فإن لم ینحدرا فلا خیر فیهما .

و من البقول: الهِندباء، و الخَسّ، و الهِلْیَون .

و من الأشربة: کلّ ما کان لونه یاقوتیّا صافیا و لم یکن بعتیق(1) .

القول
فیما یسـرع الانــهضام

الأغذیة تسرع الانهضام لأحد وجهین :

الوجه الأوّل: لطبیعتها إذا کانت غیر یابسة کالعدس، و لا صلبة کالتُرمُس، و لا لزجة
جدّا کالحنطة، و لا حابسة جدّا کالدُّخْن و الجاوَرْس، و لا دسمة جدّا کالسِّمْسِم، و لا
کریهة کالشراب العفص‏، و لا کثیرة الفضول کلحم الوَزّ، و لا غلب علیها برد شدید
کاللّبن الحامض، و لا حرٌّ شدید کالعسل .

و الوجه الثانی: لطبیعة البدن المستمرى‏ء لها، و ذلک لأحد وجهین:

الأوّل: لموافقة الأغذیة و مشاکلتها لمزاج الأبدان الطبیعی، کالأطعمة الّتی یشتهیها
الإنسان، و یلتذّها کلّ واحد من الناس، و قد تجد الناس یختلفون فی شهواتهم، و
یستمرى‏ء کلّ واحد منهم ما شهوته إلیه أمیل(2) أکثر ممّا لا یشتهیه و إن کان الّذی لا
یشتهیه أجود من الّذی یشتهیه .

و الوجه الثانی: لمزاج عارض للبدن(3) یصادف من الطعام مضادّةً، کالّذی


(1) فی «ض» و «س»: عتیقا جدّا .

(2) لا یوجد أمیل فی الأصل .

(3) لا یوجد فی الأصل: عارض .

(44) تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب

یعرض(1) أنّ من غلب علیه الحرّ لعلّة من العلل کان للأطعمة الباردة أشدّ استمراءا، لما
تطفى‏ء من حرارة البدن (و تعدله، و لم یستمرى‏ء الحارّة)(2) و من غلب علیه البرد استمرأ
الحارّة و لم یستمرى‏ء الباردة، و من رطب بدنه کلّه أو معدته استمرأ الأطعمة الجافّة و لم
یستمرى‏ء الرطبة، و من عرض له الیبس فبخلاف ذلک .

فقد بان ممّا ذکرنا أنّ الأغذیة اللطیفة و المتوسّطة فی أنفسها سریعة الانهضام.

و قد یجوز أن تکون الأغذیة الغلیظة أسرع انهضاما فی بعض الأبدان، کما ذکرنا
أیضا(3) .

فتبیّن أنّ الخبز المحکم الصنعة، و لحوم الدرّاج، و الدجاج، و الفراریج، و الحَجَل، و
کُبود الوَزّ المسمّن بالبرّ، و أجنحتها سریعة الانهضام .

و بالجملة، الجناح(4) من کلّ طائر أسرع انهضاما من سائر بدنه، و جناح السّمین
(الفتیّ من کلّ طائر أسرع انهضاما من جناح المهزول العتیق، و لحم الطیّر کلّه أسرع
انهضاما)(5) من لحوم المواشی .

و کلّ ما کان من الحیوان یابسا، فصغیره أسرع انهضاما من کبیره، و لذلک لحم
العِجل أسرع انهضاما من لحم (البقر، و لحم الجَدْی الحولیّ أسرع انهضاما من لحم)(6)
المسنّ من الماعز .

و کلّ ما کان من الحیوان رطبا، فکبیره من قبل أن یشتدّ أسرع انهضاما من صغیره،
و لذلک حولیّ الضأن أسرع انهضاما من الخَروف .

و لحم کلّ حیوان فی النشو و النموّ أسرع انهضاما ممّا قد شاخ و عتق .

و ما مرعاه فی المواضع الجافّة أسرع انهضاما ممّا مرعاه فی المواضع الرطبة، لقلّة


(1) فی «ض» و «س»: یرى .

(2) ما بین القوسین ساقط فی الأصل .

(3) فی «ض» و «س»: آنفا .

(4) فی «ض» و «س»: الأجنحة .

(5) ما بین القوسین ساقط فی الأصل .

(6) ما بین القوسین ساقط فی الأصل .

تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب (45)

الفضول فیما مرعاه فی المواضع الجافّة(1) .

و کلّ ما کان جرمه متخلخلاً فهو أسرع انهضاما ممّا کان جرمه ملزّزا، و لذلک صار
الجوز أسرع انهضاما من البُندق، و صار البیض الّذی لم یجمد أسرع انهضاما من البیض
الجامد(2) .

و کلّ ما لان و سهل مَضغه کان أسرع انهضاما من کلّ ما عسی(3) أو صلب و عسر
مضغه، لذلک الخَسّ، و الهِندباء، و الخیار، و القَرع أمرأ من الکَرَفْس و الطَّرخون .

و کلّ ما کان ألذّ و أطیب کان أمرأ ممّا کان کریها غیر لذیذ، لذلک صار الشراب
الحلو أمرأ من الشراب العفِص .

القول
فی ما عـسر انـهضـامه

(ما عسر انهضامه)(4) فإنّه یعسر إمّا لطبیعته إذا کان یابسا، أو صلبا، أو لزجا، أو
ملزّزا، أو کثیر الدّسم، أو کثیر الفضول، أو کریه الطعم(5)، أو کان الحرّ فیه مفرطا، أو البرد .

و إمّا لمخالفته للمزاج الطبیعیّ إذا لم یشته .

و إمّا لموافقته لعَرضٍ داخل البدن و زیادته فیه(6) .

فلحوم البقر، و لحوم الأیائل، و الکُروش، و الأمعاء، و الأفئدة(7)، و الآذان من
جمیع الحیوان، و الجُبنّ، و البیض المشتدّ عسرة الانهضام، لیبسها و صلابتها .


(1) فی «س» زیادة: و کثرتها فیما مرعاه فی المواضع الرطبة .

(2) فی «ض» و «س»: و البیض الّذی لم یجمد من البیض الّذی قد جمد .

(3) فی غیر الأصل لیس: عسى .

(4) أضفناه من عندنا .

(5) فی «الأصل»: کثیر الطعم، و هو تصحیف، لما مرّ آنفا فی اوّل الباب السابق .

(6) کذا فی «ض» و «س» و فی الأصل ما یقرأ: و رداته فیه .

(7) لا یوجد فی الأصل: و الأفئدة .

(46) تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب

و کذلک من الطیر: الوَرّاشین، و الفواخت، و الطواویس، و القوانص من جمیع
الطیور(1) .

و من الحبوب: الأرزّ، و التُرمُس، و العدس، و الدُّخن، و الجاوَرْس، و البَلُّوط، و
الشاهبلُّوط .

و أمّا لحوم التُّیوس، و کبیر البقر(2) فلما ذکرنا(3)، و لزهومته و کراهته .

و أمّا لحم الضأن، و الکُبود من جمیع الحیوان، و الوَزّ فیعسر انهضامها لکثرة
الفضول فیها .

و أمّا اللّبن الحامض، فلبرده، و أمّا الحنطة المسلوقة، فللزوجتها و تلزّزها(4)، و أمّا
الباقلى، و اللّوبیا، فلکثرة النفخ فیهما، و أمّا السِّمسم فلکثرة دهنه، و أمّا العنب، و التین، و
سائر الفواکه إذا لم یستحکم نضجها، و شحم الاُترجّ، و الباذرُوج، و الشلجم، و الجَزَر(5)،
و البقول کلّها، و اُصولها، و الشراب الغلیظ(6)، فلکثرة الفضول فیها .

تسمیة
الأطعمة الکثیرة الفضول:

لحوم(7) الوَزّ خلا الأجنحة، و الأحشاء کلّها فی الحیوان کلّه، و الدماغ، و طیور
الغیاض و الآجام و المزارع(8)، و الحِمّص الطریّ، و الباقلى الطریّ، و لحم الضأن، و لحم


(1) فی «ض» و «س»: الطیر .

(2) فی «ض» و «س»: المعز .

(3) من غلظها لصلابتها الطبیعیة .

(4) فی الأصل: تلزیقها .

(5) فی الأصل: الجوز .

(6) فی «ض» و «س» زیادة: الحدیث .

(7) فی «ض» و «س»: لحم .

(8) فی «ض» و «س» لا یوجد: و المزارع .

تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب (47)

الراضع من کلّ حیوان، و لحم کلّ ساکن، و ما کان من السمک فی الماء الوَسِخ، أو فی
الحمأة .

تسمیة
الأطعمة الّتی لا فضول فیها

أجنحة الوَزّ(1)، و أکارِع المواشی، و رقابها، و ما یرتعی فی البرّ من الحیوان، و فی
المواضع الجافّة .

القول
فیما غــذاؤه کثـیر

کلّ ما غلظ من الأطعمة إذا انهضم غذّى غذاءا کثیرا، و کلّما کان من الفضل(2) فیه
قلیل فإنّ غذاءه کثیر .

و قد یَحتاج إلى الأطعمة الکثیرة الغذاء مَن احتاج أن یأخذ طعاما قلیلاً یغتذی
غذاءا کثیرا، کالنّاقة و المسافر، و کالّذی یثقل معدَته الکثیرُ من الطعام، و بدنه یحتاج إلى
غذاء کثیر .

فلحم البقر، و الأدْمِغة، و المُخّ، و الأفئدة، و حواصل الطیر کلّها، و السمک الغلیظ
اللّزِج اللّحم، و السَّمیذ، و الباقلى، و الحِمّص، و اللّوبیا، و التُّرمُس، و العدس(3)، و التمر، و
البلّوط، و الشاهبلّوط، و السلجم یغذو مَن استمرأها و احتاج بدنه إلیها(4) غذاءا کثیرا،


(1) فی «ض» و «س»: الطیر .

(2) فی «ض» و «س»: کلّما الفضل .

(3) فی ن: الورس، و لا یوجد و التمر .

(4) لا یوجد فی «ض» و «س»: و احتاج بدنه إلیها .

(48) تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب

لغلظها.

و أمّا أجنحة الوَزّ(1)، و خبز السَّمیذ، و الزبیب الممتلى‏ء الحلو، و اللّبن الحلیب، و
الشراب فیغذو غذاءا کثیرا، لقلّة الفضل فیها، و کثرة ملاءمتها للبدن .

و أغلظ اللّبن أکثره غِذاءا(2)، و أرقّه أقلّه غِذاءا، و أغلظ اللّبن لبن البقر، و لبن
النعاج، و أرقّه لبن الاُتن، و لبن اللِّقاح(3)؛ و لبن الماعِز متوسّط بین ذلک .

و أغذى الأشربة الشراب الأحمرّ الغلیظ الحلو، (و بعده الغلیظ الأسود الحلو)(4) و
الغلیظ الأبیض الحلو، و بعده الأحمرّ الغلیظ العفص، ثمّ الأسود الغلیظ العفص، (ثمّ
الأبیض الغلیظ العفص)(5) .

و بعد هذه، الأشربة الرقیقة، و فی هذه أیضا کلّ ما مال إلى الحمرة و الحلاوة کان
أغذى، و أقلّها غذاءا الأبیض الرقیق .

القول
فیما غــذاؤه قلـیل

کلّ ما کان من الأطعمة لطیفا فهو قلیل الغذاء، و کلّ ما أفرط فیه(6) الیبس، أو
الرطوبة، أو کثر الفضل فیه، قلّ غذاؤه .

فالأکارِع، و الکُروش، و المَصارین(7)، و الآذان، و الشحم، و الرئة، و لحم الطیر


(1) فی «ض» و «س» زیادة: و أجنحة الدجاج .

(2) فی «ض» و «س»: و أغذى اللبن أغلظه .

(3) اللِّقاح جمع اللَّقحة و اللقوح: الناقة الحلوب الغزیرة اللبن .

(4) ما بین القوسین ساقط فی الأصل .

(5) ما بین القوسین ساقط فی الأصل .

(6) فی «ض» و «س»: علیه .

(7) المصارین جمع الجمع مفرده المَصیر: ما ینتقل الطعام بعد المعدة إلیه .

تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب (49)

کلّه، و ما شاخ من الحیوان، کلّ ذلک(1) قلیل الغذاء، للیبس .

و کذلک الجاوَرْس، و الدُّخن، و الخَشخاش، و الزَّیتون، و الجَوز، و اللَّوز، و
الفُسْتق، و البُنْدق(2)، و الغُبَیراء، و الزُّعْرور، و الخُرْنُوب، و الکَبَر، و البُطم، و الزبیب
العفص،(3) کلّ هذه قلّ غذاؤها لیبسها(4) .

و أمّا السَّمک، و القَرْع، و الرمّان، و التوث، و الإجّاص، و المِشمِش، فقلّ غذاؤها،
لکثرة رطوبتها، و غذاؤها غیر باقٍ بل سریع التحلّل .

و أمّا خبز الشعیر، و خبز الخُشکار، و الباقلى الرّطب، و جمیع البقول أعنی
الکُرّاث(5)، و السِّلْق، و الحُمّاض، و رِجْلة(6)، و الفُجل، و الخَردَل، و الحُرْف، و الجَزَر، فقلّ
غذاؤها لکثرة الفضل فیها .

و أمّا البصل، و الثّوم، و الکرّاث، فإنّها إذا اُکلت نیئا لم تغذ، فإن طبخت مرّات غذّت
غذاءا یسیرا جدّا، لما ذکرنا .

و أمّا لباب الخبز المغسول، و النشاسْتَج، فغذاؤهما قلیل، للطافتهما .

و أمّا التین، و العنب، فإنّهما بین ما قلّ غذاؤه و کثر، و غذاؤهما غذاء رخو رطب، و
کذلک غذاء الباقلى .

و کلّ ما کان له من الأطعمة طعم غالب علیه شدید فاُذهب عنه بالطبخ، أو بالشیّ،
أو بالإنقاع غذّى غذاءا یسیرا .

القول
فی الأغذیة الجیّدة الکیموس


(1) فی الأصل لا یوجد: کل ذلک .

(2) فی «س» سقط من هنا إلى أوّل باب القول فیما یبطى‏ء انحداره .

(3) فی غیر الأصل زیادة: و الکمثرى العفص .

(4) فی الأصل: للیبس .

(5) فی «ض»: الکرنب .

(6) فی «ض» مکانه: بقلة الحمقاء، و هما بمعنى، لأنّها تنبت فی طرق الناس فتداس .

(50) تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب

کلّ ما کان معتدلاً من الأغذیة الجیّدة لم تفرط فیه قوّة، و لا تجاوزت حدّ القدر
ولّد دما خالصا نقیّا صحیحا، و کلّ ما کان کذلک فهو موافق لجمیع الأبدان فی جمیع
الأوقات، و هو للأبدان المعتدلة، و فی الأوقات المعتدلة أوفق، لأنّ ما تجاوز الاعتدال من
الأبدان یحتاج إلى أغذیة فیها قوّة تجاوز الاعتدال بخلاف القوّة الغالبة على البدن
المغتذی بها، و کذلک أیضا الأبدان المعتدلة فی الأوقات الّتی لیست بمعتدلة .

و فی الأغذیة المعتدلة ما هو غلیظ، و فیها ما هو لطیف، و فیها ما هو بین ذلک، و
أجودها لجمیع النّاس و خاصّة للمعتدل المزاج(1)، و فی الأوقات المعتدلة، ما کان معتدلاً
بین اللطیف و الغلیظ .

و قد صنّفنا الأطعمة اللطیفة و الغلیظة و المتوسّطة أیضا، و خبّرنا لمن و متى یصلح
کلّ صنف منها، فبقی أن نخبر بجملة الأطعمة المولّدة للکیموس الجیّد و نسمّیها على ما
قسّمناها، فنقول :

إنّ خبز الحنطة النقیّ المحکم الصنعة إذا اُکل من یومه، و لحم الدجاجة، و الجِداء، و
حولیّة الماعِز، و ما کان من السّمک لیس بصلب، و لا کثیر اللزوجة، و لم تکن له زهومة، و
لا کراهة، و لا سمن کثیر، و کان مرعاه فی ما لیست فیه أوساخ و لا حمأة، و لا غذاء
ردیّ، و لم یکن سریع العفونة بل یبقى زمانا طویلاً قبل أن یتغیّر ، و کلّ ما لم یشتدّ و لم
یستحکم نضجه(2) من البیض، و کلّ شراب طیّب الرّیح یاقوتیّ(3)، و ما فیه(4) حلاوة
یسیرة، کلّ ذلک جیّد الکیموس، معتدل فیما بین اللطیف و الغلیظ .

و أمّا خبز السَّمیذ المحکم الصنعة البارد، و الطیهوج، و الدرّاج، و الفراریج(5)، و
أجنحة جمیع الطیر، و ما صغر من السمک، و لم یکن له سمن کثیر، و کان رخصا، و لم تکن
له لزوجة بیّنة، و کان مرعاه على ما وصفنا(6)، و ماء کشک الشعیر، و الشراب الطیّب الریح


(1) المزاج فی ن فقط .

(2) فی ن: انعقاده .

(3) فی ن زیادة: لین .

(4) فی ن زیادة: منه .

(5) لا یوجد فی ن: الفراریخ .

(6) فی ن زیادة: و ما اُلقی علیه من السمک الملح قصیرة رخصا و اُذهب لزوجته .

تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب (51)

الخوصی، و الأصفرّ کلّ ذلک جیّد الکیموس، لطیف .

و أمّا اللّبن الحلیب فإنّه جیّد الکیموس، إلاّ أنّ فیه غلظا، و لذلک ربّما تجبّن فی
المعدة، فلهذه العلّة یخلط به العسل و الملح(1)، أو یرقّق بالماء .

و أجود اللّبن و أعدله لبن الماعز، لأنّه لطیف ألطف من لبن الضأن و البقر، و أغلظ
من لبن الاُتن و اللِّقاح(2) .

و یجب أن یؤخذ اللّبن من حیوان صحیح، سمین، شابّ، جیّد الغذاء، و لا یکون
فی وقت ما یضع الحیوان، و لا بعد ذلک بزمان طویل، لأنّ لبن الحیوان کلّه فی وقت ما
یضع غلیظ، و یرقّ بعد ذلک قلیلاً قلیلاً حتّى یصیر مائیّا .

و أجود ما یؤخذ اللّبن ساعة ما یُحلب قبل أن یغیّره الهواء، لأنّه سریع الاستحالة .

و أمّا اللّبأ، و الجبن الرطب، و کلّ ما لم یحکم صنعته من خبز السَّمیذ، و خبز الفُرْن،
و لحم العِجل، و من أجزاء لحم الغنم: الضرع، و الکبد، و الفؤاد .

و من الحبوب: الباقلى. و من الأشربة: ما کان طیّب الرائحة حلوا، فکلّ ذلک یولّد
کیموسا جیّدا

القول
فیما یولّد کیموسا ردیّا

کلّ ما لم یکن من الأغذیة معتدلاً لم یولّد دما(3) خالصا نقیّا صافیا .

و الأعذیة الردیّة الکیموس ثلاثة أصناف :

منها ما یزید فی البلغم، و منها ما یزید فی الصفراء، و منها ما یزید فی السوداء،


(1) فی الأصل: الماء .

(2) اللِّقاح جمع اللَّقحة و اللقوح: الناقة الحلوب الغزیرة اللبن. الاُتن جمع الاتان: الحمارة.

(3) سقط من الأصل دما .

(52) تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب

فینبغی لجمیع النّاس أن یجتنبوا الإکثار منها، و إدمان استعمالها و إن کانوا لها مستمرین،
لأنّها و إن لم یستبن لها ضرر فی عاجل الأمر فإنّه یجتمع فی بدن الإنسان إذا استعملها(1)
فی طول الزّمان کیموس ردیّ یتولّد منه أمراض ردیّة .

فأولى النّاس بتجنّب کلّ صنف من أصنافها من کان الغالب على بدنه ما یزید فیه
ذلک الصنف .

و من تناول ما خالف الغالب على بدنه کان ضرره أقلّ، و أنا مسمّ هذه الأغذیة، و
ذاکر ما یتولّد من کلّ واحد منها، فأقول :

إنّ ما یتّخذ من الخبز من دقیق کثیر النخالة، أو ممّا عتق من الحنطة و الدقیق الردیّ
الکیموس یزید فی السوداء .

و لحم الضأن کلّه یزید فی البلغم، و لحم الماعز المسنّ کلّه یزید فی السوداء، و
أرداه لحم التُّیوس، و لحم البقر، و الجُزُر(2)، و الظباء، و الأرانب، و الأیائل و هو الوَعِل(3)
کلّه یزید فی السوداء .

و شرّ هذه اللحوم کلّها لحم الجُزُر، و بعدها لحم التُّیوس، و خاصّة ما لم یخْصَ، و
بعده لحم المسنّ من الضأن، و بعده لحم البقر(4)، و کلّ ما خُصی من هذه کان أجود غذاءا،
و أمّا لحم الأرانب و الظباء و الأیائل فهو دون جمیع ما ذکرنا فی الرداءة .

و من أعضاء الحیوان الکلى ردیّة الکیموس لزُهومتها، و ما استفادت(5) من رداءة
البول .

و الدماغ یزید فی البلغم، و کلّ البطون یزید فی البلغم لکثرة الفضول فیها .

و البیض المُطَجَّن یولّد غذاءا غلیظا فاسدا، و کذلک الجُبن و خاصّة ما عتق منه، و


(1) فی ن: فی بدن من أدمن استعمالها .

(2) الجُزُر جمع الجَزور: الإبل ذکرا و اُنثى، و قیل الناقة الّتی تنحر .

(3) الوَُعِل: تیس الجبل له قرنان قویّان منحنیان کسیفین أحدبین، لکنّ الأیائل جمع الأیّل و هو
ما یقال بالفارسی: گوزن و لذکورها قرون متشعّبة لا تجویف فیها، فهما اثنان فتنبّه .

(4) فی ن: المسنّ من البقر .

(5) فی ن: اکتسبت .

تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب (53)

الفُطْر یولّد کیموسا غلیظا باردا، و الحُلبة، و الحِمّص ردیّا الکیموس لما فیهما من الحرارة.

و العدس یزید فی السوداء . و الدُّخن، و الجاوَرس یولّدان دما غلیظا.

و ما صلب لحمه من السمک و غلبت علیه اللزوجة ولّد البلغم، فإن عتق و ملح ولّد
السوداء .

و التین الیابس إن اُکثر أکله ولّد فضلاً عفنا یکثر منه القمل(1) .

و الکمّثرى، و التفّاح إن اُکلا غیر نضیجین ولّدا کیموسا ردیّا، و کذلک القثّاء و
الخیار .

فأمّا البطّیخ و القَرع فربّما انهضما فلم یحدثا فی البدن حدثا ردیّا، و ربّما فسدا فی
المعدة فولّدا کیموسا ردیّا، و خاصّة إن صادفا فی المعدة فضلاً ردیّا، فلذلک تعرض
الهیضة کثیرا لمن أکل البطّیخ .

و البقول کلّها ردیّة لکثرة الفضول فیها و قلّة الغذاء .

و أمّا البصل، و الثوم، و الکُرّاث، و الفُجل، و الجَزَر(2)، و الشلجم فرداءتها لما فیها
من الحرارة و الحِرافة، و ربّما زادت فی المِرّة الصفراء، و ربّما زادت فی السّوداء کما ذکرنا
آنفا، إلاّ أنّها إذا طبخت و صبّ ماؤها و طبخت ثانیةً بماءٍ ثانٍ ذهبت الحِرافة و الرداءة
عنها.

و الباذروج یسخن الدّم و یخفّفه تخفیفا شدیدا .

و الکَرَنْب یولّد السوداء، و کذلک جمیع البقول البرّیّة .

القول
فی الأغذیة المتوسّطة بین ما یولّد الکیموس الجیّد
و الکیموس الردیّ


(1) فی الأصل: الفضل .

(2) فی ن: الخردل .

(54) تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب

خُبز الخُشکار، و لحم الخِصیان من المعز و الضأن، و من الأعضاء اللّسان، و
الأمعاء، و الذنَب، و من الفواکه العنب النضیج و خاصّة المعلّق، و التین النضیج الرطب و
الیابس منه مع الجوز، و الشاهبلوط .

و من البقول الخسّ، و بعده الهِندباء، و بعده الخیار، و بعده القَطَف، و رِجلة(1)، و
البقلة الیمانیّة، و الحُمّاض، و ما لم تکن فیه حدّة کثیرة من الاُصول .

القول
فی الأغـذیـة الحــارّة

الأغذیة الحارّة یحتاج إلیها من کان الغالب على بدنه البرودة، و فی الأوقات، و
البلدان الباردة، و ینبغی أن یتجنّبها من کان حارّ البدن، و فی الأوقات، و البلدان الحارّة .

منها: الحِنطة المطبوخة، و الخُبز المتَّخذ من الحنطة، و الحِمّص، و الحُلبة، و التمر، و
السِّمسِم، و الشهدانَج، و العنب الحلو، و الزبیب الحلو،(2) و السَّلجم، و الخردل، و الحرف،
و الجوز، و الثوم، و البصل، و الکُرّاث، و الجُبن العتیق، و الشراب الحلو، و أسخن الأشربة
الحارّ العتیق(3) الأصفرّ .

القول
فی الأغـذیة البــاردة

ینبغی أن یستعمل الأغذیة الباردة من کان حارّ البدن، و فی الأوقات و البلدان


(1) فی ن مکان رجلة: البقلة الحمقا و هما بمعنى .

(2) فی ن زیادة: و الکرفس، و الجرجیر، و الفجل .

(3) فی ن لا یوجد: العتیق .

تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب (55)

الحارّة .

و هی: الشعیر، و کلّ ما یتّخذ منه، و الدُّخن، و الجاوَرس، و القَرع، و البطّیخ، و
الخیار، و الغثّاء، و الإجّاص، و الخوخ، و الجُمَّیز، و ما یلی الحموضة و العفوصة من العنب،
و الزبیب، و الطَلْع(1)، و الجُمّار(2)، و البلح(3)، و الخَسّ، و الهِندباء، و رجلة(4)، و
الخشخاش .

و أمّا التفّاح، و الکمّثرى، و الرمّان، فما کان منها عَفِصا فهو بارد غلیظ، و ما کان
منها حامضا فهو بارد لطیف .

و أمّا الخَلّ فإنّه بارد، لطیف، ضارّ للعَصب .

و ما کان من الشراب أبیض عَفِصا فهو أقلّ الأشربة حرارةً، فإن کان مع ذلک حدیثا
غلیظا فهو ردیّ .

القول
فی الأغـذیة الیـابـسة

یحتاج إلى الأغذیة الیابسة من کان الغالب على بدنه الرُطوبة، و فی الأوقات
الرطبة، و البلدان الرطبة .

منها: العدس، و الکَرَنْب، و السویق الجافّ، و کلّ ما یُشوى، و کلّ ما یُطجَّن، و کلّ
ما یُقلى، و کلّ ما اُکثر فیه الشراب، و المُرِّیّ، و الخَلّ، و الأبزار، و الخردل، و لحوم المسنّة


(1) الطلع من النخل : شیء یخرج کأنّه نعلان مطبقان ثمّ یصیر ثمرا إن کانت اُنثى، و إن کانت
النخلة ذکرا لم یصر ثمرا بل یؤکل طریّا، و یترک على النخلة أیّاما معلومة حتّى یصیر فیه
شیء أبیض مثل الدقیق و له رائحة ذکیّة فیلقح به الاُنثى .

(2) الجُمّار: شحم النخل و هو قلبها و منه یخرج الثمر و السعف و تموت بقطعه .

(3) البلح: ثمر النخل مادام أخضر قریبا إلى الاستدارة إلى أن یغلظ النَّوى، فإذا أخذ فی الطول و
التلوّن إلى الحمرة أو الصفرة فهو بُسر .

(4) فی ن: و البقلة الحمقاء، و هما بمعنى .

(56) تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب

من الحیوان .

القول
فی الأغـذیة الـرطـبة

قد یحتاج إلى الأغذیة الرطبة من کان قد أفرط فیه الیبس، و فی الأوقات و البلدان
الیابسة .

منها: ماء الشعیر، و القَرع، و البطّیخ، و الخیار، و القثّاء، و الجوز الرطب، و العنب، و
الإجّاص، و التین، و الجُمَّیز، و التُّوث، و الخبز(1)، و الحیاذ(2)، و البقلة الیمانیّة، و القَطَف،
و الباقلى الرطب، و الحِمّص الرطب، و اللّوبیا الرطب، و کلّ ما طبخ بالماء، و سُلق به، و
اُنقع(3) فیه من الأبزار، و الخلّ و المُرّی، و الشراب، و لحوم الصغار من کلّ حیوان .

القول
فیما یصلح المعدة من الأغذیة

قد أخبرنا أنّه ربّما کان فی بعض أعضاء البدن آفة خاصّة فاحتجنا أن یکون أکثر
قصدنا فی الأغذیة إلى ما وافق ذلک العضو، و خاصّة إذا کانت الآفة فی المعدة، أو فی
الرأس، أو فی الکبد، أو فی الطحال، أو فی الکلى .

فالمعدة ربّما کانت ضعیفة مسترخیة، فیصلحها الأغذیة العفِصة(4)، کالسفرجل، و


(1) کذا فی الأصل، و فی ن ساقط، و لعلّه کان: و الخسّ فصحف .

(2) کذا فی الأصل، و فی ن: الخیار، و هو مکرر .

(3) فی ن: یطبخ بالماء و یسلق و یقلّ فیه .

(4) فی ن: القابضة .

تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب (57)

زیتون الماء، و خاصّة ما عمل منها بالخَلّ، و الزبیب العفِص، و العنب المدفون فی ثُفل
العصیر، و البُسر، و الشراب الطیّب الرائحة العفِص .

و قشر الاُترجّ إذا اُخذ منه الیسیر قوّى المعدة، و متى اُخذ منه الکثیر أتْخم، لأنّ
جرمه صلب بطیء الانهضام .

و کلّ طعام و شراب قابضٍ، فإن قُدّم قبل سائر الأطعمة و الأشربة أسهل البطن،
لتصلیبه المعدة(1)، و إعانته إیّاها على دفع الطعام .

و ربّما اجتمع فی المعدة بلغم لزِج، فلطخها و أبطل الشهوة منها، فیصلحها من
الأغذیة ما یقطع البلغم، و یجلو المعدة، کالخردل، و الفُجل، و الحُرْف، و الشراب الحادّ(2)
مع التین .

و ربّما کانت مسترخیة فیها لطخ من البلغم، فتحتاج إلى ما یقطع البلغم، و ینقّیها، و
یقبض جرمها، و یقوّیه، کالکَبَر المعمول بالخلّ وحده، أو بالخلّ و العسل، و الشاهترج إذا
اُکل بالخلّ، و الشراب العفِص إذا خلط بالشراب الحادّ الطیّب الرائحة .

(و متى تولّدت فی المعدة مِرّة فالکشُوث(3) ینفضها و الکرفس)(4) .

القول
فیما هو ضارّ للمعدة من الأغذیة

السِّلق ردیّ للمعدة، للذعه إیّاها بما فیه من الحدّة و البُورقیّة، و الباذروج، و


(1) فی الأصل: لتقلیبه للمعدة .

(2) فی ن زیادة: و الجوز .

(3) الکشُوث بفتح أوّله و کسره مقصورا و ممدودا: نبات لا جذر له و لا ورق إنّما له أزهار
کرویّة صغیرة، لونه أصفر أو ضارب إلى الحمرة تلتفّ ساقه على حاضنه و تنشب فیه زوائد
ماصّة تمصّ نسغه، و تلتفّ أیضا على کلّ نبات حوله فتغتذی منه بمصّه نسغه و تکثر .

(4) ما بین القوسین فی ن فقط .

(58) تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب

السلجم متى لم یستقص طبخها، للّذع الّذی فیهما، و البقلة الیمانیّة، و القَطَف، للزوجتهما،
فلذلک ینبغی أن یؤکلا بالخلّ(1) .

و المُرِّیّ، و الحُلبة ردیّة للمعدة مغثیة(2)، و السِّمسم ردیّ للمعدة للزوجته و کثرة
دهنه، و اللّبن لسرعة استحالته، لأنّه یحمض فی المعدة الباردة، و یستحیل إلى المِرّة
الصفراء فی المعدة الحارّة، و العسل متى اُکثر منه لذع المعدة و غثّى، و البطّیخ أیضا یغثّی،
و إذا لم ینضج فی المعدة تولّد منه کیموس ردیّ و لذلک یفعل الهیضة، فینبغی بعد أکل
البطّیخ أن یؤکل طعام کثیر جیّد الکیموس .

و الأدمغة کلّها ردیّة للمعدة، و لذلک ینبغی أن یؤکل بالصعتر .

و الفُوذَنج البرّی، و الخردل، و الملح، و کذلک أیضا الشراب الحدیث الغلیظ، و
الأسود العفِص یسرع الحموضة فی المعدة و یغثی .

القول
فیما یصدع الرأس من الأغذیة

اللّبن، و التُّمور کلّها، و العنب الّذی یدفن فی ثُفل العصیر، و الجِرجِیر، و الحُلبة، و
الشَّهدانَج، و الشراب الأصفرّ العفِص یصدع الرأس، و یسکر أکثر من الأسود العفِص .

و أمّا الشراب الأبیض الرقیق فإنّه لا یصدع(3)، و ربّما سکن الصداع، و کان أصلح
للرأس من الماء متى کان الصداع من فضل فی المعدة .

القول فیما یـنفخ


(1) فی الأصل: باکل .

(2) فی ن زیادة: للذعها للمعدة .

(3) فی ن زیادة: و کلّ شراب قلیل الاحتمال للماء فإنّه لا یصدع الرأس و ربّما...

تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب (59)

الحِمّص، و الباقلى و خاصّة إن طبخ صحیحا، فإن طبخ مقشّرا أو مسحوقا کان أقلّ
نفخا، و إن قلی أیضا قلّت نفخته .

و بعد هذین: اللّوبیا، و الماش، و العدس، و الشعیر إذا لم یجد طبخها .

و الفقّاع(1)، و التین الرّطب یولّد نفخا، إلاّ أنّ نفخه یتحلّل سریعا لسرعة انحداره .

و ما استحکم نضجه من العنب و التین کان أقلّ نفخا، و الیابس من التین لیس له
نفخ، و الرطب نافخ .

و اللّبن یولّد فی المعدة ریاحا، و العسل إذا لم یطبخ، فإذا طبخ و نزعت رغوته لم
ینفخ .

و من الشراب الحلو، و ما کانت فیه حلاوة و عفوصة، و العصیر .

القول
فیما یقلّ به نفخ الأطعمة

کلّ طعام نافخٍ فإنّ إحکام صنعته، و إحکام طبخه، و نضجه ینقص من نفخه. و ما
یقلى أیضا یقلّ نفخه .

و ما یخلط به الأبزار(2) المحلّل للرّیاح، کالکَمُّون(3)، و الکاشِم(4)، و السَّذاب یقلّ
نفخه .

و الخَلّ الممزوج بالعسل أیضا یلطّف الرّیاح و یذهب بالنّفخ .


(1) فی ن زیادة: و الانحلان و الحلنیث و المحروت .

(2) الأبزار جمع البِزر: التابل، و هو ما یطیّب به الغذاء، و یقال بالفارسی: أفزار، أو دیگ أفزار.

(3) فی ن زیادة: و الأنیسون. الکمّون الواحدة کمّونة: نبات زراعی سنوی من فصیلة الخیمیّات،
تُرکستانیّ الأصل، بزوره من الأفاویه، تستعمل تابلاً و فی الصیدلة، یقال بالفارسی: زیرهْ. و
الکمّون الحلو: الأنیسون، و یقال بالفارسی: بادیان و رازیانه رومى .

(4) الکاشم: الانجدان الرومی، و قیل: هو الکمون الجبلی .

(60) تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب

القول
فیما یجلو و یلطّف و یفتح السُّدد

ماء کشک الشعیر یجلو، و الحُلبة، و البطّیخ، و الزبیب الحلو، و الباقلى، و الحِمّص،
و الأسود منه ینقّی الکلیتین، و یفتّت الحجارة المتولّدة فیهما .

و الکبر المعمول بالخلّ و العسل إذا اُکل قبل الطعام فإنّه یجلو و ینقّی المعدة و
الأمعاء، و یفتح السُّدد .

و السِّلق أیضا یجلو و یفتح السُّدد إن اُکل بالخردل، و البصل، و الثوم .

و البصل، و الکُرّاث، و الفُجل یقطع و یلطّف الکیموس الغلیظ، و ماء الجُبُنّ أیضا
یلطّف .

و التین رطبه و یابسه یجلو و ینقّی الکلى .

و اللّوز و خاصّةً المُرّ منه یجلو، و یلطّف، و یفتح سُدد الکبد و الطحال، و یعین على
نفث الرطوبة من الصدر و الرئة .

و الفُستُق یقوّی الکبد و یفتح سُددها، و عسل النحل یلطّف و یجلو و خاصّةً ما
التقطته النّحل عن شجر حارٍّ یابسٍ، کالصَّعتر و ما أشبهه .

و ماء العسل یلطّف البُصاق(1) الغلیظ و یعین على نفثه .

و السکنجبین یلطّف و یقطع الرطوبة الغلیظة اللّزِجة، و یفتح سُدد الکبد و الطحال،
و ینقّی الصّدر و الرئة .

و الشّراب اللّطیف ینقّی العروق من الکیموس الغلیظ، و العتیق إذا کانت له حدّة و
حِرافة(2) انتفع به من کان فی بدنه کیموس غلیظ بارد .



(1) فی ن: البزاق، و کلاهما بمعنى .

(2) الحَرافة: طعمٌ یلذع اللسان، یقال: هذا بصلٌ حِرِّیف .

تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب (61)

و أمّا الشّراب الرقیق المائیّ فإنّه یعین على نفث الرطوبة من الرئة لتقویته الأعضاء،
و ترطیبه، و تلطیفه لما فیها من الفضل الغلیظ، و قد یفعل ذلک الشراب الحلو .

القول
فیما یـولّد الـسُّدد

اللّبن إذا کانت المائیّة فیه قلیلة .

و الجُبُنّ کثیرا مّا یحدث سُددا فی الکبد، و حجارةً فی الکلى، فمن کثر استعماله له
کانت کلاه و کبده مستعدّةً لقبول الآفة .

و جمیع الأطعمة الحارّة ردیّة للکبد و الطحال إذا کان فیهما غلظ .

و أمّا التین، فإن اُکل وحده زاد فی غلظ الکبد و الطحال، و إن اُکل مع ما یلطّف و
یجلو، کالفُودَنَج الجبلیّ، و الصَّعتر، و الفلفل، فتح سُدد الکبد و الطحال .

و التَّمر، و الرُّطب، و جمیع ما یُتّخذ من الحنطة سوى الخبز المحکم الصنعة، و
الأشربة الحلوة تولّد سُددا فی الکبد، و حجارةً فی الکلى، و تغلظ الطحال .

القول
فیما یـبطى‏ء انـحداره

کلّ ما یُتّخذ من لُباب الحنطة، و الباقلى المقلوّ، و العدس، و الأدمِغة، و الکُبود، و
الأفئدة، و کلّ ما اشتدّ من البیض المسلوق، و المشویّ، و البیض المقلوّ، و اللّوبیا، و
السِّمسِم، و البَلّوط، و التفّاح(1)، و الکُمُّثرى العفص، و الشراب الحلو، و العفص، و الحدیث


(1) لا یوجد فی الأصل: و التفّاح .

(62) تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب

الغلیظ، و المیاه کلّها(1) .


القول
فیما یسرع إلیه الفساد فی المعدة

المِشمِش(2)، و التُّوث، و البطّیخ، و القَرع إن لم تسرع الانحدار(3) عن المعدة، و
صادفت فیها کیموسا ردیّا أسرع إلیها الفساد، فیجب لذلک أن تؤکل قبل الطعام على نقاء
من المعدة، لتسرع الانحدار عنها، و تسهل الطریق لما یؤکل بعدها، فمتى اُکلتْ بعد الطعام
فسدتْ، لبقائها فی المعدة، و أفسدتْ سائر الطعام بفسادها، و ربّما بلغ الفساد (إلى) أن
تصیر بمنزلة السمّ القاتل .

القول
فیما لا یـفسد سـریعا

من کان الطعام یفسد(4) فی معدته، فأجود الأطعمة له ما کان غلیظا(5)، صلبا،
بطیء الاستحالة، کلحم البقر، و الأکارِع، و خاصّةً أکارِع البقر، و ما أشبه ذلک .

القول


(1) فی «ض» و «س»: و الغلیظ من المیاه کلّها .

(2) فی «ض» و «س»: السمسم .

(3) فی الأصل: الانهضام .

(4) فی «ض» و «س»: من کان یفسد الطعام .

(5) فی «ض» و «س» لا یوجد: غلیظا .

تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب (63)

فیما یـلیّن الـبطن

متى کان فضل الطعام بطیء الانحدار عن المعدة و الأمعاء احتجنا إلى استعمال
الأطعمة الملیّنة المسهلة، و هی ما کان فیه جلاء، أو حدّة، أو مُلوحة، أو لُزوجة، أو حلاوة .

من ذلک ماء العدس، و ماء(1) الکَرَنْب یلیّنان البطن، و جرمهما یمسک البطن، و
مرقة الدُّیوک العتیقة، و خُبز الخُشکار، و ماء الحُلبة مع العسل، و زیتون الماء إذا اُکل قبل
الطعام مع المُرِّیّ یلیّن البطن، و إن اُکل بعد الطعام بلا مُرِّی و بخاصّة الغضّ منه، و ما عمل
بالخلّ یقوّی المعدة على دفع الطعام، لما ذکرنا آنفا فی الأشیاء القابضة المقوّیة للمعدة .

و ما رقّ من اللّبن و کثر ماؤه، و ماء الجُبُنّ، و خاصّة إذا خلط به الملح أو العسل، و
لحم الصغیر من الحیوان، و السِّلق، و القَطَف، و البقلة الیمانیّة، و القَرع، و البطّیخ، و التین، و
الزبیب الحلو، و التُّوث، و الجوز الرّطب، و الیابس إذا اُنقع بالماء، و الإجّاص الرطّب، و
الیابس إذا اُنقع، أو طبخ بماء العسل، أو(2) اُکل و شرب بعده شراب حلو، و انتظر بالطعام
حتّى یلیّن البطن .

و أمّا ماء العسل، و الشراب، فربّما جریا سریعا إلى العروق، و أنفذا معهما(3) جلّ
الغذاء، فحبسا البطن و أدَرّا البول، و ربّما بقیا فی المعدة فبلذعهما یهیّجان المعدة إلى دفع
الطعام، و یسهلان البطن .

و العسل إذا لم یطبخ لیَّن البطن، فإذا طبخ لم یلیّنه، و کذلک ماء العسل إن اُکثر
طبخه.

و السکنجبین یجلو المعدة و الأمعاء، و ربّما أحدث فی الأمعاء سحجا(4).


(1) فی «ض» و «س» لا یوجد: ماء .

(2) فی «ض» و «س»: و .

(3) فی الأصل: منهما .

(64) تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب

و الشراب الحلو، و العصیر یلیّنان البطن .

القول
فیما یمسـک الـبطن

إذا کان الطعام ینحدر عن المعدة قبل انهضامه احتجنا إلى استعمال الأطعمة
الممسکة الحابسة، و هی ما غلب علیه من الأطعمة الیبس، أو(1) العُفوصة، أو الغِلظ .

فالسَّفرجل، و الکُمُّثرى، و حَبُّ الآس، و ثمر العَوْسَج، و جِرم العدس، و
الشاهبلّوط، و البلّوط، و الشراب العفِص یمسک البطن بعُفوصتها و قبضها .

و الأرزّ الأبیض، و الجاوَرْس، و الدُّخن، و سویق الشعیر یمسک البطن بیبسها .

و لحم الأرانب، و الکَرَنْب المطبوخ بعد صبّ مائه الأوّل و الثانی(2)، و اللّبن
المطبوخ، و الجُبُنّ یمسک البطن بغلظها .

و ینبغی أن یطبخ اللّبن حتّى تفنى مائیّته، فإنّ مائیّة اللّبن تلیّن البطن، و قد یمکن
أن یلقى فیه حصىً، أو قطع حدید محماةٍ، فإذا ذهبت عنه المائیّة نفع من یجد لذعا فی
المعدة، أو فی الأمعاء من فضلٍ حارّ، إلاّ أنّه یغلظ جدّا إذا فعل به ذلک، فربّما جمد و تجبّن
فی المعدة، و ربّما نفذ عن المعدة فولّد سُددا (فی الکبد أو حجارة فی الکلى)(3)، فیجب
لذلک أن یلقى علیه بعد أن تفنى مائیّته ماء لیرقّ، و لا یتجبّن، و لا یولّد(4) سُددا، و لا
حجارة.

و أمّا الأشیاء الحامضة، کماء التفّاح الحامض، و الرمّان الحامض، فإن صادفتْ فی


(1) السحج: داء فی البطن قاشر .

(2) فی «ض» و «س»: و .

(3) فی «ض» و «س»: بعد صبّ مائه الأوّل عنه و طبخه بماء ثان .

(4) ما بین القوسین من ن .

(5) فی «ض» و «س»: و لا یحدث .

تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب (65)

المعدة کیموسا ردیّا غلیظا قطعته و أحدرته، فلیّنت البطن، و إن صادفتْها تقئة(1) أمسکتْ
البطن .

تمّ القول فی تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب بحمد اللّه‏ و منّه، و فرغ منه بنیسابور
یوم السبت الثالث عشر من جمادى الآخرة سنة ستّ و تسعین

و ثلاثمائة(2)، الحمد للّه‏ و صلّى اللّه‏ على رسوله

محمّد و آله الطیّبین، و حسبنا

اللّه‏ و نعم المعین(3)


(1) فی النسخ: نقیة، و ما أثبتناه من الحاوی و هو أصحّ .

(2) أقول: عندما حاسبت بالکمبیوتر تاریخ کتابة النسخة أعنی 13 جمادى الثانیة من سنة 396
وجدته مطابقا مع یوم السبت، و هذا ممّا یؤیّد صحّته.

(3) فی خاتمة «س»: تمّت الرسالة و نقل من خطّ من نقل من خطّ أمین الدولة ابن التلمیذ
الفاضل الطبیب، و الحمد للّه‏ أوّلاً و آخرا فی شهر شعبان المعظم سنة تسع و ألف

(66) تدبیر الصحّة بالمطعم و المشرب